الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مختصر المزني ***
مِنْ الْجَامِعِ وَمِنْ كِتَابِ عِشْرَةِ النِّسَاءِ وَمِنْ كِتَابِ نُشُوزِ الْمَرْأَةِ عَلَى الرَّجُلِ وَمِنْ كِتَابِ الطَّلاَقِ مِنْ أَحْكَامِ الْقُرْآنِ وَمِنْ الْإِمْلاَءِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ}. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَجِمَاعُ الْمَعْرُوفِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ كَفُّ الْمَكْرُوهِ وَإِعْفَاءُ صَاحِبِ الْحَقِّ مِنْ الْمُؤْنَةِ فِي طَلَبِهِ لاَ بِإِظْهَارِ الْكَرَاهِيَةِ فِي تَأْدِيَتِهِ فَأَيُّهُمَا مَطَلَ بِتَأْخِيرِهِ فَمَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ وَتُوُفِّيَ صلى الله عليه وسلم عَنْ تِسْعٍ وَكَانَ يَقْسِمُ لِثَمَانٍ وَوَهَبَتْ سَوْدَةُ يَوْمَهَا لِعَائِشَةَ رضي الله عنهن. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَبِهَذَا نَقُولُ وَيُجْبَرُ عَلَى الْقَسْمِ فَأَمَّا الْجِمَاعُ فَمَوْضِعُ تَلَذُّذٍ وَلاَ يُجْبَرُ أَحَدٌ عَلَيْهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلاَ تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ}. قَالَ بَعْضُ أَهْلِ التَّفْسِيرِ لَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بِمَا فِي الْقُلُوبِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُجَاوِزُهُ {فَلاَ تَمِيلُوا} لاَ تُتْبِعُوا أَهْوَاءَكُمْ أَفْعَالَكُمْ فَإِذَا كَانَ الْفِعْلُ وَالْقَوْلُ مَعَ الْهَوَاءِ فَذَلِكَ كُلُّ الْمَيْلِ وَبَلَغَنَا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقْسِمُ فَيَقُولُ {اللَّهُمَّ هَذَا قَسْمِي فِيمَا أَمْلِكُ وَأَنْتَ أَعْلَمُ فِيمَا لاَ أَمْلِكُ} يَعْنِي- وَاَللَّهُ أَعْلَمُ- فِيمَا لاَ أَمْلِكُ؛ قَلْبَهُ. قَالَ وَبَلَغَنَا أَنَّهُ كَانَ يُطَافُ بِهِ مَحْمُولاً فِي مَرَضِهِ عَلَى نِسَائِهِ حَتَّى حَلَّلَتْهُ. قَالَ وَعِمَادُ الْقَسْمِ اللَّيْلُ؛ لِأَنَّهُ سَكَنٌ فَقَالَ {أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إلَيْهَا} فَإِنْ كَانَ عِنْدَ الرَّجُلِ حَرَائِرُ مُسْلِمَاتٌ وَذِمِّيَّاتٌ فَهُنَّ فِي الْقَسْمِ سَوَاءٌ. قَالَ وَيَقْسِمُ لِلْحُرَّةِ لَيْلَتَيْنِ وَلِلْأَمَةِ لَيْلَةً إذَا خَلَّى الْمَوْلَى بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا فِي لَيْلَتِهَا وَيَوْمِهَا وَلِلْأَمَةِ أَنْ تُحَلِّلَهُ مِنْ قَسْمِهَا دُونَ الْمَوْلَى وَلاَ يُجَامِعُ الْمَرْأَةَ فِي غَيْرِ يَوْمِهَا وَلاَ يَدْخُلُ فِي اللَّيْلِ عَلَى الَّتِي لَمْ يُقْسَمْ لَهَا. قَالَ وَلاَ بَأْسَ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهَا بِالنَّهَارِ فِي حَاجَةٍ وَيَعُودَهَا فِي مَرَضِهَا فِي لَيْلَةِ غَيْرِهَا فَإِذَا ثَقُلَتْ فَلاَ بَأْسَ أَنْ يُقِيمَ عِنْدَهَا حَتَّى تَخِفَّ أَوْ تَمُوتَ ثُمَّ يُوفِيَ مَنْ بَقِيَ مِنْ نِسَائِهِ مِثْلَ مَا أَقَامَ عِنْدَهَا، وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَقْسِمَ لَيْلَتَيْنِ لَيْلَتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا ثَلاَثًا كَانَ ذَلِكَ لَهُ وَأَكْرَهُ مُجَاوَزَةَ الثَّلاَثِ وَيَقْسِمُ لِلْمَرِيضَةِ وَالرَّتْقَاءِ وَالْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وَلِلَّتِي آلَى أَوْ ظَاهَرَ مِنْهَا وَلاَ يَقْرَبُهَا حَتَّى يُكَفِّرَ؛ لِأَنَّ فِي مَبِيتِهِ سُكْنَى وَإِلْفًا، وَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يَلْزَمَ مَنْزِلاً يَأْتِينَهُ فِيهِ كَانَ ذَلِكَ لَهُ عَلَيْهِنَّ فَأَيَّتُهُنَّ امْتَنَعَتْ سَقَطَ حَقُّهَا وَكَذَلِكَ الْمُمْتَنِعَةُ بِالْجُنُونِ. قَالَ: وَإِنْ سَافَرَتْ بِإِذْنِهِ فَلاَ قَسْمَ لَهَا وَلاَ نَفَقَةَ إلَّا أَنْ يَكُونَ هُوَ أَشْخَصَهَا فَيَلْزَمَهُ كُلُّ ذَلِكَ لَهَا وَعَلَى وَلِيِّ الْمَجْنُونِ أَنْ يَطُوفَ بِهِ عَلَى نِسَائِهِ أَوْ يَأْتِيَهُ بِهِنَّ، وَإِنْ عَمَدَ أَنْ يَجُوزَ بِهِ أَثِمَ فَإِنْ خَرَجَ مِنْ عِنْدِ وَاحِدَةٍ فِي اللَّيْلِ أَوْ أَخْرَجَهُ سُلْطَانٌ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُوفِيَهَا مَا بَقِيَ مِنْ لَيْلَتِهَا وَلَيْسَ لِلْإِمَاءِ قَسْمٌ وَلاَ يُعَطَّلْنَ، وَإِذَا ظَهَرَ الْإِضْرَارُ مِنْهُ بِامْرَأَتِهِ أَسْكَنَاهَا إلَى جَنْبِ مَنْ نَثِقُ بِهِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُسْكِنَ امْرَأَتَيْنِ فِي بَيْتٍ إلَّا أَنْ تَشَاءَا وَلَهُ مَنْعُهَا مِنْ شُهُودِ جِنَازَةِ أُمِّهَا وَأَبِيهَا وَوَلَدِهَا وَمَا أُحِبُّ ذَلِكَ لَهُ.
مِنْ الْجَامِعِ مِنْ كِتَابِ الطَّلاَقِ وَمِنْ أَحْكَامِ الْقُرْآنِ وَمِنْ نُشُوزِ الرَّجُلِ عَلَى الْمَرْأَةِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى فِي {قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِأُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها إنْ شِئْت سَبَّعْتُ عِنْدَكِ وَسَبَّعْتُ عِنْدَهُنَّ، وَإِنْ شِئْتِ ثَلَّثْت عِنْدَك وَدُرْت} دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الرَّجُلَ إذَا تَزَوَّجَ الْبِكْرَ أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يُقِيمَ عِنْدَهَا سَبْعًا وَالثَّيِّبَ ثَلاَثًا وَلاَ يَحْتَسِبُ عَلَيْهِ بِهَا نِسَاؤُهُ اللَّاتِي عِنْدَهُ قَبْلَهَا وَقَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ لِلْبِكْرِ سَبْعٌ وَلِلثَّيِّبِ ثَلاَثٌ، قَالَ: وَلاَ أُحِبُّ أَنْ يَتَخَلَّفَ عَنْ صَلاَةٍ مَكْتُوبَةٍ وَلاَ شُهُودِ جِنَازَةٍ وَلاَ بِرٍّ كَانَ يَفْعَلُهُ وَلاَ إجَابَةِ دَعْوَةٍ.
مِنْ الْجَامِعِ مِنْ كِتَابِ الطَّلاَقِ وَمِنْ أَحْكَامِ الْقُرْآنِ وَمِنْ نُشُوزِ الرَّجُلِ عَلَى الْمَرْأَةِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله أَخْبَرَنَا عَمِّي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ شَافِعٍ أَحْسَبُهُ عَنْ الزُّهْرِيِّ " شَكَّ الْمُزَنِيّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا قَالَتْ: {كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إذَا أَرَادَ سَفَرًا أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ فَأَيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا}. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله وَكَذَلِكَ إذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ بِاثْنَتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ أَقْرَعَ، وَإِنْ خَرَجَ بِوَاحِدَةٍ بِغَيْرِ قُرْعَةٍ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَقْسِمَ لِمَنْ بَقِيَ بِقَدْرِ مَغِيبِهِ مَعَ الَّتِي خَرَجَ بِهَا، وَلَوْ أَرَادَ السَّفَرَ لِنَقْلَةٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَنْتَقِلَ بِوَاحِدَةٍ إلَّا أَوْفَى الْبَوَاقِيَ مِثْلَ مُقَامِهِ مَعَهَا، وَلَوْ خَرَجَ بِهَا مُسَافِرًا بِقُرْعَةٍ ثُمَّ أَزْمَعَ الْمُقَامَ لِنَقْلَةٍ احْتَسَبَ عَلَيْهَا مُقَامَهُ بَعْدَ الْإِزْمَاعِ.
مِنْ الْجَامِعِ مِنْ كِتَابِ نُشُوزِ الرَّجُلِ عَلَى الْمَرْأَةِ وَمِنْ كِتَابِ الطَّلاَقِ وَمِنْ أَحْكَامِ الْقُرْآنِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {وَاَللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ} الآيَةَ. قَالَ وَفِي ذَلِكَ دَلاَلَةٌ عَلَى اخْتِلاَفِ حَالِ الْمَرْأَةِ فِيمَا تُعَاتَبُ فِيهِ وَتُعَاقَبُ عَلَيْهِ فَإِذَا رَأَى مِنْهَا دَلاَلَةً عَلَى الْخَوْفِ مِنْ فِعْلٍ أَوْ قَوْلٍ وَعَظَهَا فَإِنْ أَبْدَتْ نُشُوزًا هَجَرَهَا فَإِنْ أَقَامَتْ عَلَيْهِ ضَرَبَهَا وَقَدْ يُحْتَمَلُ {تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ} إذَا نَشَزْنَ فَخِفْتُمْ لَجَاجَتِهِنَّ فِي النُّشُوزِ أَنْ يَكُونَ لَكُمْ جَمْعُ الْعِظَةِ وَالْهَجْرِ وَالضَّرْبِ، وَقَالَ عليه السلام {لاَ تَضْرِبُوا إمَاءَ اللَّهِ قَالَ فَأَتَاهُ عُمَرُ رضي الله عنه فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ذَئِرَ النِّسَاءُ عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ فَأْذَنْ فِي ضَرْبِهِنَّ فَأَطَافَ بِآلِ مُحَمَّدٍ نِسَاءٌ كَثِيرٌ كُلُّهُنَّ يَشْتَكِينَ أَزْوَاجَهُنَّ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم لَقَدْ أَطَافَ بِآلِ مُحَمَّدٍ سَبْعُونَ امْرَأَةً كُلُّهُنَّ يَشْتَكِينَ أَزْوَاجَهُنَّ فَلاَ تَجِدُونَ أُولَئِكَ خِيَارَكُمْ} وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ عليه السلام قَبْلَ نُزُولِ الآيَةِ بِضَرْبِهِنَّ ثُمَّ أَذِنَ فَجَعَلَ لَهُمْ الضَّرْبَ فَأَخْبَرَ أَنَّ الِاخْتِيَارَ تَرْكُ الضَّرْبِ.
مِنْ الْجَامِعِ مِنْ كِتَابِ الطَّلاَقِ وَمِنْ أَحْكَامِ الْقُرْآنِ وَمِنْ نُشُوزِ الرَّجُلِ عَلَى الْمَرْأَةِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله فَلَمَّا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى فِيمَا خِفْنَا الشِّقَاقَ بَيْنَهُمَا بِالْحَكَمَيْنِ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ حُكْمَهُمَا غَيْرُ حُكْمِ الْأَزْوَاجِ فَإِذَا اشْتَبَهَ حَالاَهُمَا فَلَمْ يَفْعَلْ الرَّجُلُ الصُّلْحَ وَلاَ الْفُرْقَةَ وَلاَ الْمَرْأَةُ تَأْدِيَةَ الْحَقِّ وَلاَ الْفِدْيَةَ وَصَارَا مِنْ الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ إلَى مَا لاَ يَحِلُّ لَهُمَا وَلاَ يَحْسُنُ وَتَمَادَيَا بَعَثَ الْإِمَامُ حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا مَأْمُونَيْنِ بِرِضَا الزَّوْجَيْنِ وَتَوْكِيلِهِمَا إيَّاهُمَا بِأَنْ يَجْمَعَا أَوْ يُفَرِّقَا إذَا رَأَيَا ذَلِكَ، وَاحْتُجَّ بِقَوْلِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه ابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا، ثُمَّ قَالَ لِلْحَكَمَيْنِ: هَلْ تَدْرِيَانِ مَا عَلَيْكُمَا؟ عَلَيْكُمَا أَنْ تَجْمَعَا إنْ رَأَيْتُمَا أَنْ تَجْمَعَا وَأَنْ تُفَرِّقَا إنْ رَأَيْتُمَا أَنْ تُفَرِّقَا فَقَالَتْ الْمَرْأَةُ: رَضِيت بِكِتَابِ اللَّهِ بِمَا عَلَيَّ فِيهِ وَلِي فَقَالَ الرَّجُلُ: أَمَّا الْفُرْقَةُ فَلاَ فَقَالَ عَلِيٌّ: كَذَبْت وَاَللَّهِ حَتَّى تُقِرَّ بِمِثْلِ الَّذِي أَقَرَّتْ بِهِ فَدَلَّ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ لِلْحَاكِمِ إلَّا بِرِضَا الزَّوْجَيْنِ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ لَبَعَثَ بِغَيْرِ رِضَاهُمَا. قَالَ: وَلَوْ فَوَّضَا مَعَ الْخُلْعِ وَالْفُرْقَةِ إلَى الْحَكَمَيْنِ الْأَخْذَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ كَانَ عَلَى الْحَكَمَيْنِ الِاجْتِهَادُ فِيمَا يَرَيَانِهِ أَنَّهُ صَلاَحٌ لَهُمَا بَعْدَ مَعْرِفَةِ اخْتِلاَفِهِمَا، وَلَوْ غَابَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ وَلَمْ يَفْسَخْ الْوَكَالَةَ أَمْضَى الْحَكَمَانِ رَأْيَهُمَا، وَأَيُّهُمَا غُلِبَ عَلَى عَقْلِهِ لَمْ يُمْضِ الْحَكَمَانِ بَيْنَهُمَا شَيْئًا حَتَّى يُفِيقَ ثُمَّ يُحْدِثَ الْوَكَالَةَ وَعَلَى السُّلْطَانِ إنْ لَمْ يَرْضَيَا حَكَمَيْنِ أَنْ يَأْخُذَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ مَا يَلْزَمُ وَيُؤَدِّبُ أَيَّهُمَا رَأَى أَدَبَهُ إنْ امْتَنَعَ بِقَدْرِ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ وَقَالَ فِي كِتَابِ الطَّلاَقِ مِنْ أَحْكَامِ الْقُرْآنِ: وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ نُجْبِرُهُمَا عَلَى الْحَكَمَيْنِ كَانَ مَذْهَبًا. قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله هَذَا ظَاهِرُ الآيَةِ وَالْقِيَاسُ مَا قَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ الطَّلاَقَ لِلْأَزْوَاجِ فَلاَ يَكُونُ إلَّا لَهُمْ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله: وَلَوْ اسْتَكْرَهَهَا عَلَى شَيْءٍ أَخَذَهُ مِنْهَا عَلَى أَنْ طَلَّقَهَا وَأَقَامَتْ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً رَدَّ مَا أَخَذَهُ وَلَزِمَهُ مَا طَلَّقَ وَكَانَتْ لَهُ الرَّجْعَةُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى قَالَ اللَّهُ {وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا} الآيَةَ. {وَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلَى صَلاَةِ الصُّبْحِ فَوَجَدَ حَبِيبَةَ بِنْتَ سَهْلٍ عِنْدَ بَابِهِ فَقَالَ: مَنْ هَذِهِ؟ فَقَالَتْ: أَنَا حَبِيبَةُ بِنْتُ سَهْلٍ لاَ أَنَا وَلاَ ثَابِتٌ لِزَوْجِهَا فَلَمَّا جَاءَ ثَابِتٌ قَالَ لَهُ صلى الله عليه وسلم: هَذِهِ حَبِيبَةُ تَذْكُرُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَذْكُرَ فَقَالَتْ حَبِيبَةُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كُلُّ مَا أَعْطَانِي عِنْدِي، فَقَالَ عليه الصلاة والسلام خُذْ مِنْهَا فَأَخَذَ مِنْهَا وَجَلَسَتْ فِي أَهْلِهَا}. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ الْمَانِعَةُ مَا يَجِبُ عَلَيْهَا لَهُ الْمُفْتَدِيَةُ تَخْرُجُ مِنْ أَنْ لاَ يُؤَدِّيَ حَقَّهُ أَوْ كَرَاهِيَةً لَهُ فَتَحِلُّ الْفِدْيَةُ لِلزَّوْجِ وَهَذِهِ مُخَالَفَةٌ لِلْحَالِ الَّتِي تَشْتَبِهُ فِيهَا حَالُ الزَّوْجَيْنِ خَوْفَ الشِّقَاقِ. قَالَ: وَلَوْ خَرَجَ فِي بَعْضِ مَا تَمْنَعُهُ مِنْ الْحَقِّ إلَى أَدَبِهَا بِالضَّرْبِ أَجَزْت ذَلِكَ لَهُ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَدْ أَذِنَ لِثَابِتٍ بِأَخْذِ الْفِدْيَةِ مِنْ حَبِيبَةَ وَقَدْ نَالَهَا بِضَرْبٍ، وَلَمْ يَقُلْ: لاَ يَأْخُذُ مِنْهَا إلَّا فِي قُبُلِ عِدَّتِهَا كَمَا أَمَرَ الْمُطَلِّقَ غَيْرَهُ. وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ الْخُلْعَ لَيْسَ بِطَلاَقٍ وَعَنْ عُثْمَانَ قَالَ: هِيَ تَطْلِيقَةٌ إلَّا أَنْ تَكُونَ سَمَّيْتَ شَيْئًا. قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله وَقُطِعَ فِي بَابِ الْكَلاَمِ الَّذِي يَقَعُ بِهِ الطَّلاَقُ أَنَّ الْخُلْعَ طَلاَقٌ فَلاَ يَقَعُ إلَّا بِمَا يَقَعُ بِهِ الطَّلاَقُ أَوْ مَا يُشْبِهُهُ مِنْ إرَادَةِ الطَّلاَقِ فَإِنْ سَمَّى عَدَدًا أَوْ نَوَى عَدَدًا فَهُوَ مَا نَوَى. قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله وَإِذَا كَانَ الْفِرَاقُ عَنْ تَرَاضٍ، وَلاَ يَكُونُ إلَّا بِالزَّوَاجِ وَالْعَقْدُ صَحِيحٌ لَيْسَ فِي أَصْلِهِ عِلَّةٌ فَالْقِيَاسُ عِنْدِي أَنَّهُ طَلاَقٌ، وَمِمَّا يُؤَكِّدُ ذَلِكَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ رحمه الله: فَإِنْ قِيلَ: فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ طَلاَقًا فَاجْعَلْ لَهُ الرَّجْعَةَ قِيلَ لَهُ: لَمَّا أَخَذَ مِنْ الْمُطَلَّقَةِ عِوَضًا وَكَانَ مَنْ مَلَكَ عِوَضِ شَيْءٍ خَرَجَ مِنْ مِلْكِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ رَجْعَةٌ فِيمَا مَلَكَ عَلَيْهِ فَكَذَلِكَ الْمُخَلَّعَةُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله: وَإِذَا حَلَّ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مَا طَابَتْ بِهِ نَفْسًا عَلَى غَيْرِ فِرَاقٍ حَلَّ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مَا طَابَتْ بِهِ نَفْسًا وَيَأْخُذَ مَا الْفِرَاقُ بِهِ وَقَالَ فِي كِتَابِ الْإِمْلاَءِ عَلَى مَسَائِلِ مَالِكٍ، وَلَوْ خَلَعَهَا تَطْلِيقَةً بِدِينَارٍ عَلَى أَنَّ لَهُ الرَّجْعَةَ فَالطَّلاَقُ لاَزِمٌ لَهُ، وَلَهُ الرَّجْعَةُ وَالدِّينَارُ مَرْدُودٌ وَلاَ يَمْلِكُهُ وَالرَّجْعَةَ مَعًا وَلاَ أُجِيزُ عَلَيْهِ مِنْ الطَّلاَقِ إلَّا مَا أَوْقَعَهُ. قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله: لَيْسَ هَذَا قِيَاسُ أَصْلِهِ؛ لِأَنَّهُ يَجْعَلُ النِّكَاحَ وَالْخُلْعَ بِالْبَدَلِ الْمَجْهُولِ وَالشَّرْطِ الْفَاسِدِ سَوَاءً وَيَجْعَلُ لَهَا فِي النِّكَاحِ مَهْرَ مِثْلِهَا وَلَهُ عَلَيْهَا فِي الْخُلْعِ مَهْرُ مِثْلِهَا وَمِنْ قَوْلِهِ: لَوْ خَلَعَهَا بِمِائَةٍ عَلَى أَنَّهَا مَتَى طَلَبَتْهَا فَهِيَ لَهَا وَلَهُ الرَّجْعَةُ عَلَيْهَا أَنَّ الْخُلْعَ ثَابِتٌ وَالشَّرْطَ وَالْمَالَ بَاطِلٌ وَعَلَيْهَا مَهْرُ مِثْلِهَا. قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله: وَمِنْ قَوْلِهِ: لَوْ خَلَعَ مَحْجُورًا عَلَيْهَا بِمَالٍ إنَّ الْمَالَ يَبْطُلُ وَلَهُ الرَّجْعَةُ، وَإِنْ أَرَادَ يَكُونُ بَائِنًا كَمَا لَوْ طَلَّقَهَا تَطْلِيقَةً بَائِنًا لَمْ تَكُنْ بَائِنًا وَكَانَ لَهُ الرَّجْعَةُ. قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله تعالى: وَكَذَلِكَ إذَا طَلَّقَهَا بِدِينَارٍ عَلَى أَنَّ لَهُ الرَّجْعَةَ لاَ يُبْطِلُهُ الشَّرْطُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله وَلاَ يَلْحَقُ الْمُخْتَلِعَةَ طَلاَقٌ، وَإِنْ كَانَتْ فِي الْعِدَّةِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ الزُّبَيْرِ وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: يَلْحَقُهَا الطَّلاَقُ فِي الْعِدَّةِ وَاحْتُجَّ بِبَعْضِ التَّابِعِينَ وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ عَلَيْهِ مِنْ الْقُرْآنِ وَالْإِجْمَاعِ بِمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الطَّلاَقَ لاَ يَلْحَقُهَا بِمَا ذَكَرَ اللَّهُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ مِنْ اللِّعَانِ وَالظِّهَارِ وَالْإِيلاَءِ وَالْمِيرَاثِ وَالْعِدَّةِ بِوَفَاةِ الزَّوْجِ فَدَلَّتْ خَمْسُ آيَاتٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ بِزَوْجَةٍ، وَإِنَّمَا جَعَلَ اللَّهُ الطَّلاَقَ يَقَعُ عَلَى الزَّوْجَةِ فَخَالَفَ الْقُرْآنَ وَالْأَثَرَ وَالْقِيَاسَ ثُمَّ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ مُتَنَاقِضٌ فَزَعَمَ إنْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ خَلِيَّةٌ أَوْ بَرِيَّةٌ أَوْ بَتَّةٌ يَنْوِي الطَّلاَقَ أَنَّهُ لاَ يَلْحَقُهَا طَلاَقٌ، فَإِنْ قَالَ: كُلُّ امْرَأَةٍ لِي طَالِقٌ لاَ يَنْوِيهَا وَلاَ غَيْرَهَا طُلِّقَ نِسَاؤُهُ دُونَهَا، وَلَوْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ طَلُقَتْ فَكَيْفَ يُطَلِّقُ غَيْرَ امْرَأَتِهِ.
مِنْ الطَّلاَقِ وَمِنْ إبَاحَةِ الطَّلاَقِ وَمِمَّا سَمِعَتْ مِنْهُ لَفْظًا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله: وَلَوْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلاَثًا فِي كُلِّ سَنَةٍ وَاحِدَةً فَوَقَعَتْ عَلَيْهَا تَطْلِيقَةٌ ثُمَّ نَكَحَهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَجَاءَتْ سَنَةٌ وَهِيَ تَحْتَهُ لَمْ يَقَعْ بِهَا طَلاَقٌ؛ لِأَنَّهَا قَدْ خَلَتْ مِنْهُ وَصَارَتْ فِي حَالٍ لَوْ أَوْقَعَ عَلَيْهَا الطَّلاَقَ لَمْ يَقَعْ وَإِنَّمَا صَارَتْ عِنْدَهُ بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ فَلاَ يَقَعُ فِيهِ طَلاَقُ نِكَاحٍ غَيْرِهِ. قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله هَذَا أَشْبَهُ بِأَصْلِهِ مِنْ قَوْلِهِ تَطْلُقُ كُلَّمَا جَاءَتْ سَنَةٌ وَهِيَ تَحْتَهُ طَلُقَتْ حَتَّى يَنْقَضِيَ طَلاَقُ ذَلِكَ الْمِلْكِ. قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله وَلاَ يَخْلُو قَوْلُهُ: أَنْتِ طَالِقٌ فِي كُلِّ سَنَةٍ مِنْ أَحَدِ ثَلاَثَةِ مَعَانٍ إمَّا أَنْ يُرِيدَ فِي هَذَا النِّكَاحِ الَّذِي عَقَدْت فِيهِ الطَّلاَقَ فَقَدْ بَطَلَ وَحَدَثَ غَيْرُهُ فَكَيْفَ يَلْزَمُهُ؟ وَإِمَّا أَنْ يُرِيدَ فِي غَيْرِ مِلْكِي فَهَذَا لاَ يَذْهَبُ إلَيْهِ أَحَدٌ يَعْقِلُ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ، وَإِمَّا أَنْ يُرِيدَ فِي نِكَاحٍ يَحْدُثُ فَقَوْلُهُ لاَ طَلاَقَ قَبْلَ النِّكَاحِ فَهَذَا طَلاَقٌ قَبْلَ النِّكَاحِ. فَتَفَهَّمْ يَرْحَمُك اللَّهُ.
مِنْ الْإِمْلاَءِ عَلَى مَسَائِلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَمِنْ مَسَائِلَ شَتِّي سَمِعْتهَا لَفْظًا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله وَلَوْ قَالَ: كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ أَوْ امْرَأَةٍ بِعَيْنِهَا أَوْ لِعَبْدٍ إنْ مَلَكْتُك حُرٌّ فَتَزَوَّجَ أَوْ مَلَكَ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْكَلاَمَ الَّذِي لَهُ الْحُكْمُ كَانَ وَهُوَ غَيْرُ مَالِكٍ فَبَطَلَ. قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَةٍ لاَ يَمْلِكُهَا: أَنْتِ طَالِقٌ السَّاعَةَ لَمْ تَطْلُقْ فَهِيَ بَعْدَ مُدَّةٍ أَبْعَدُ فَإِذَا لَمْ يَعْمَلْ الْقَوِيُّ فَالضَّعِيفُ أَوْلَى أَنْ لاَ يَعْمَلَ. قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ لاَ سَبِيلَ إلَى طَلاَقِ مَنْ لَمْ يَمْلِكْ لِلسُّنَّةِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهَا فَهِيَ مِنْ أَنْ تَطْلُقَ بِبِدْعَةٍ أَوْ عَلَى صِفَةٍ أَبْعَدُ.
مِنْ النِّكَاحِ وَالطَّلاَقِ وَإِمْلاَءٌ عَلَى مَسَائِلِ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله وَلَوْ قَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ: إنْ طَلَّقْتنِي ثَلاَثًا فَلَكَ عَلَيَّ مِائَةُ دِرْهَمٍ فَهُوَ كَقَوْلِ الرَّجُلِ يَعْنِي ثَوْبَك هَذَا بِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَإِنْ طَلَّقَهَا ثَلاَثًا فَلَهُ الْمِائَةُ، وَلَوْ قَالَتْ لَهُ: اخْلَعْنِي أَوْ بِتِّنِي أَوْ أَبِنِّي أَوْ ابْرَأْ مِنِّي أَوْ بَارِئْنِي وَلَك عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَهِيَ تُرِيدُ الطَّلاَقَ وَطَلَّقَهَا فَلَهُ مَا سَمَّتْ لَهُ، وَلَوْ قَالَتْ: اخْلَعْنِي عَلَى أَلْفٍ كَانَتْ لَهُ أَلْفٌ مَا لَمْ يَتَنَاكَرَا فَإِنْ قَالَتْ: عَلَيَّ أَلْفٌ ضَمِنَهَا لَك غَيْرِي أَوْ عَلَيَّ أَلْفُ فَلْسٍ وَأَنْكَرَ تَحَالَفَا وَكَانَ لَهُ عَلَيْهَا مَهْرُ مِثْلِهَا، وَلَوْ قَالَتْ لَهُ: طَلِّقْنِي وَلَك عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ، فَقَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى الْأَلْفِ إنْ شِئْتِ فَلَهَا الْمَشِيئَةُ وَقْتَ الْخِيَارِ، وَإِنْ أَعْطَتْهُ إيَّاهَا فِي وَقْتِ الْخِيَارِ لَزِمَهُ الطَّلاَقُ وَسَوَاءٌ هَرَبَ الزَّوْجُ أَوْ غَابَ حَتَّى مَضَى وَقْتُ الْخِيَارِ أَوْ أَبْطَأَتْ هِيَ بِالْأَلْفِ، وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ أَعْطَيْتنِي أَلْفَ دِرْهَمٍ فَأَعْطَتْهُ إيَّاهَا زَائِدَةً فَعَلَيْهِ طَلْقَةٌ؛ لِأَنَّهَا أَعْطَتْهُ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَزِيَادَةً، وَلَوْ أَعْطَتْهُ إيَّاهَا رَدِيئَةً فَإِنْ كَانَتْ فِضَّةً يَقَعُ عَلَيْهَا اسْمُ دَرَاهِمَ طَلُقَتْ وَكَانَ عَلَيْهَا بَدَلُهَا فَإِنْ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا اسْمُ دَرَاهِمَ لَمْ تَطْلُقْ، وَلَوْ قَالَ: مَتَى مَا أَعْطَيْتنِي أَلْفًا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَذَلِكَ لَهَا وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ أَخْذِهَا وَلاَ لَهَا إذَا أَعْطَتْهُ أَنْ تَرْجِعَ فِيهَا، وَلَوْ قَالَتْ لَهُ: طَلِّقْنِي ثَلاَثًا وَلَك أَلْفُ دِرْهَمٍ فَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً فَلَهُ ثُلُثُ الْأَلْفِ، وَإِنْ طَلَّقَهَا ثَلاَثًا فَلَهُ الْأَلْفُ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ بَقِيَ عَلَيْهَا إلَّا طَلْقَةٌ فَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً كَانَتْ لَهُ الْأَلْفُ؛ لِأَنَّهَا قَامَتْ مَقَامَ الثَّلاَثِ فِي أَنَّهَا تُحَرِّمُهَا حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ. قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله وَقِيَاسُ قَوْلِهِ مَا حَرَّمَهَا إلَّا الْأَوَّلِيَّانِ مَعَ الثَّلاَثَةِ كَمَا لَمْ يُسْكِرْهُ فِي قَوْلِهِ إلَّا الْقَدَحَانِ مَعَ الثَّالِثِ وَكَمَا لَمْ يَعْمِ الْأَعْوَرَ الْمَفْقُوءَةَ عَيْنُهُ الْبَاقِيَةُ إلَّا الْفَقْءُ الْأَوَّلُ مَعَ الْفَقْءِ الْآخَرِ وَأَنَّهُ لَيْسَ عَلَى الْفَاقِئِ الْأَخِيرِ عِنْدَهُ إلَّا نِصْفُ الدِّيَةِ فَكَذَلِكَ يَلْزَمُهُ أَنْ يَقُولَ: لَمْ يُحَرِّمْهَا عَلَيْهِ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ إلَّا الْأَوَّلِيَّانِ مَعَ الثَّالِثَةِ فَلَيْسَ عَلَيْهَا إلَّا ثُلُثُ الْأَلْفِ بِالطَّلْقَةِ الثَّالِثَةِ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله: وَلَوْ قَالَتْ لَهُ: طَلِّقْنِي وَاحِدَةً بِأَلْفٍ فَطَلَّقَهَا ثَلاَثًا كَانَ لَهُ الْأَلْفُ وَكَانَ مُتَطَوِّعًا بِالِاثْنَتَيْنِ، وَلَوْ بَقِيَتْ لَهُ عَلَيْهَا طَلْقَةٌ فَقَالَتْ: طَلِّقْنِي ثَلاَثًا بِأَلْفٍ وَاحِدَةً أُحَرَّمُ بِهَا عَلَيْك وَاثْنَتَيْنِ إنْ نَكَحْتنِي بَعْدَ زَوْجٍ؛ فَلَهُ مَهْرُ مِثْلِهَا إذَا طَلَّقَهَا كَمَا قَالَتْ، وَلَوْ خَلَعَهَا عَلَى أَنْ تَكْفُلَ وَلَدَهُ عَشْرَ سِنِينَ فَجَائِزَانِ اشْتِرَاطًا إذَا مَضَى الْحَوْلاَنِ نَفَقَتُهُ بَعْدَهُمَا فِي كُلِّ شَهْرٍ كَذَا قَمْحًا وَكَذَا زَيْتًا فَإِنْ كُفِيَ وَإِلَّا رَجَعَتْ عَلَيْهِ بِمَا يَكْفِيهِ، وَإِنْ مَاتَ رُجِعَ عَلَيْهِ بِمَا بَقِيَ، وَلَوْ قَالَ: أَمْرُك بِيَدِك فَطَلِّقِي نَفْسَك إنْ ضَمِنْت لِي أَلْفَ دِرْهَمٍ فَضَمِنَتْهَا فِي وَقْتِ الْخِيَارِ لَزِمَهَا وَلاَ يَلْزَمُهَا فِي غَيْرِ وَقْتِ الْخِيَارِ، كَمَا لَوْ جَعَلَ أَمْرَهَا إلَيْهَا لَمْ يَجُزْ إلَّا فِي وَقْتِ الْخِيَارِ، وَلَوْ قَالَ: إنْ أَعْطَيْتنِي عَبْدًا فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَأَعْطَتْهُ أَيَّ عَبْدٍ مَا كَانَ فَهِيَ طَالِقٌ وَلاَ يَمْلِكُ الْعَبْدَ وَإِنَّمَا يَقَعُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ بِمَا يَقَعُ بِهِ الْحِنْثُ. قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله لَيْسَ هَذَا قِيَاسَ قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا فِي مَعْنَى الْعِوَضِ وَقَدْ قَالَ فِي هَذَا الْبَابِ: مَتَى أَوْ مَتَى مَا أَعْطَيْتنِي أَلْفَ دِرْهَمٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَذَلِكَ لَهَا وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ أَخْذِهَا وَلاَ لَهَا أَنْ تَرْجِعَ إنْ أَعْطَتْهُ فِيهَا وَالْعَبْدُ وَالدِّرْهَمُ عِنْدِي سَوَاءٌ غَيْرَ أَنَّ الْعَبْدَ مَجْهُولٌ فَيَكُونُ لَهُ عَلَيْهَا مَهْرُ مِثْلِهَا وَقَدْ قَالَ لَوْ قَالَ لَهَا إنْ أعطيتيني شَاةً مَيِّتَةً أَوْ خِنْزِيرًا أَوْ زِقَّ خَمْرٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَفَعَلَتْ طَلُقَتْ وَيَرْجِعُ عَلَيْهَا بِمَهْرِ مِثْلِهَا، وَلَوْ خَلَعَهَا بِعَبْدٍ بِعَيْنِهِ ثُمَّ أَصَابَ بِهِ عَيْبًا رَدَّهُ وَكَانَ لَهُ عَلَيْهَا مَهْرُ مِثْلِهَا، وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَعَلَيْك أَلْفُ دِرْهَمٍ فَهِيَ طَالِقٌ وَلاَ شَيْءَ عَلَيْهَا وَهَذَا مِثْلُ قَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ وَعَلَيْك حَجَّةٌ، وَلَوْ تَصَادَقَا أَنَّهَا سَأَلَتْهُ الطَّلاَقَ فَطَلَّقَهَا عَلَى ذَلِكَ كَانَ الطَّلاَقُ بَائِنًا، وَلَوْ خَلَعَهَا عَلَى ثَوْبٍ عَلَى أَنَّهُ مَرْوِيٌّ فَإِذَا هُوَ هَرَوِيٌّ فَرَدَّهُ كَانَ لَهُ عَلَيْهَا مَهْرُ مِثْلِهَا وَالْخُلْعُ فَمَا وَصَفْت كَالْبَيْعِ الْمُسْتَهْلَكِ، وَلَوْ خَلَعَهَا عَلَى أَنْ تُرْضِعَ وَلَدَهُ وَقْتًا مَعْلُومًا فَمَاتَ الْمَوْلُودُ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِمَهْرِ مِثْلِهَا؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ تَدِرُّ عَلَى الْمَوْلُودِ وَلاَ تَدِرُّ عَلَى غَيْرِهِ وَيَقْبَلُ ثَدْيَهَا وَلاَ يَقْبَلُ غَيْرَهُ وَيَتَرَأَّمُهَا فتستمريه وَلاَ يستمري غَيْرَهَا وَلاَ يَتَرَأَّمْهُ وَلاَ تَطِيبُ نَفْسًا لَهُ، وَلَوْ قَالَ لَهُ أَبُو امْرَأَتِهِ: طَلِّقْهَا وَأَنْتَ بَرِيءٌ مِنْ صَدَاقِهَا، فَطَلَّقَهَا طَلُقَتْ وَمَهْرُهَا عَلَيْهِ وَلاَ يَرْجِعُ عَلَى الْأَبِ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَضْمَنْ لَهُ شَيْئًا وَلَهُ عَلَيْهَا الرَّجْعَةُ، وَلَوْ أَخَذَ مِنْهَا أَلْفًا عَلَى أَنْ يُطَلِّقَهَا إلَى شَهْرٍ فَطَلَّقَهَا فَالطَّلاَقُ ثَابِتٌ وَلَهَا الْأَلْفُ وَعَلَيْهَا مَهْرُ مِثْلِهَا، وَلَوْ قَالَتَا: طَلِّقْنَا بِأَلْفٍ، ثُمَّ ارْتَدَّتَا فَطَلَّقَهُمَا بَعْدَ الرِّدَّةِ وُقِفَ الطَّلاَقُ فَإِنْ رَجَعَتَا فِي الْعِدَّةِ لَزِمَهُمَا وَالْعِدَّةُ مِنْ يَوْمِ الطَّلاَقِ، وَإِنْ لَمْ يَرْجِعَا حَتَّى انْقَضَتْ الْعِدَّةُ لَمْ يَلْزَمْهُمَا شَيْءٌ، وَلَوْ قَالَ لَهُمَا: أَنْتُمَا طَالِقَانِ إنْ شِئْتُمَا بِأَلْفٍ لَمْ يُطَلَّقَا وَلاَ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا حَتَّى يَشَاءَا مَعًا فِي وَقْتِ الْخِيَارِ، وَلَوْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا مَحْجُورًا عَلَيْهَا وَقَعَ الطَّلاَقُ عَلَيْهِمَا وَطَلاَقُ غَيْرِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهَا بَائِنٌ وَعَلَيْهَا مَهْرُ مِثْلِهَا وَلاَ شَيْءَ عَلَى الْأُخْرَى وَيَمْلِكُ رَجْعَتَهَا. قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله تعالى هَذَا عِنْدِي يَقْضِي عَلَى فَسَادِ تَجْوِيزِهِ مَهْرَ أَرْبَعٍ فِي عُقْدَةٍ بِأَلْفٍ؛ لِأَنَّهُ لاَ فَرْقَ بَيْنَ مَهْرِ أَرْبَعٍ فِي عُقْدَةٍ بِأَلْفٍ وَخُلْعِ أَرْبَعٍ فِي عُقْدَةٍ بِأَلْفٍ فَإِذَا أَفْسَدَهُ فِي إحْدَاهُمَا لِلْجَهْلِ بِمَا يُصِيبُ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ فَسَدَ فِي الْأُخْرَى، وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ وَعَلَيْهَا مَهْرُ مِثْلِهَا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله: وَلَوْ قَالَ لَهُ أَجْنَبِيٌّ طَلِّقْ فُلاَنَةَ عَلَى أَنَّ لَك عَلَيَّ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَفَعَلَ فَالْأَلْفُ لَهُ لاَزِمَةٌ وَلاَ يَجُوزُ مَا اخْتَلَعَتْ بِهِ الْأَمَةُ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهَا وَلاَ الْمُكَاتَبَةُ، وَلَوْ أَذِنَ لَهَا سَيِّدُهَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ لِلسَّيِّدِ فَيَجُوزُ إذْنُهُ فِيهِ وَلاَ لَهَا فَيَجُوزُ مَا صَنَعَتْ فِي مَالِهَا وَطَلاَقُهُمَا بِذَلِكَ بَائِنٌ فَإِذَا أُعْتِقَتَا اتَّبَعَ كُلَّ وَاحِدَةٍ بِمَهْرِ مِثْلِهَا كَمَا لاَ أَحْكُمُ عَلَى الْمُفْلِسِ حَتَّى يُوسِرَ وَإِذَا أَجَزْت طَلاَقَ السَّفِيهِ بِلاَ شَيْءٍ كَانَ مَا أَخَذَ عَلَيْهِ جُعْلاً أَوْلَى وَلِوَلِيِّهِ أَنْ يَلِيَ عَلَى مَا أَخَذَ بِالْخُلْعِ؛ لِأَنَّهُ مَالُهُ وَمَا أَخَذَ الْعَبْدُ بِالْخُلْعِ فَهُوَ لِسَيِّدِهِ فَإِنْ اسْتَهْلَكَا مَا أَخَذَا رَجَعَ الْوَلِيُّ وَالسَّيِّدُ عَلَى الْمُخْتَلِعَةِ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ حَقٌّ لَزِمَهَا فَدَفَعَتْهُ إلَى مَنْ لاَ يَجُوزُ لَهَا دَفْعُهُ إلَيْهِ، وَلَوْ اخْتَلَفَا فَهُوَ كَاخْتِلاَفِ الْمُتَبَايِعِينَ فَإِنْ قَالَتْ: خَلَعْتنِي بِأَلْفٍ وَقَالَ: بِأَلْفَيْنِ أَوْ قَالَتْ: عَلَى أَنْ تُطَلِّقَنِي ثَلاَثًا فَطَلَّقْتنِي وَاحِدَةً تَحَالَفَا وَلَهُ صَدَاقُ مِثْلِهَا وَلاَ يَرُدُّ الطَّلاَقَ وَلاَ يَلْزَمُهُ مِنْهُ إلَّا مَا أَقَرَّ بِهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله: وَلَوْ قَالَ: طَلَّقْتُك بِأَلْفٍ وَقَالَتْ: بَلْ عَلَى غَيْرِ شَيْءٍ فَهُوَ مُقِرٌّ بِطَلاَقٍ لاَ يَمْلِكُ فِيهِ الرَّجْعَةَ فَيَلْزَمُهُ وَهُوَ مُدَّعِي مَا لاَ يَمْلِكُهُ بِدَعْوَاهُ وَيَجُوزُ التَّوْكِيلُ فِي الْخُلْعِ حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا أَوْ مَحْجُورًا عَلَيْهِ أَوْ ذِمِّيًّا فَإِنْ خَلَعَ عَنْهَا بِمَا لاَ يَجُوزُ فَالطَّلاَقُ لاَ يُرَدُّ وَهُوَ كَشَيْءٍ اشْتَرَاهُ لَهَا فَقَبَضَتْهُ وَاسْتَهْلَكَتْهُ فَعَلَيْهَا قِيمَتُهُ وَلاَ شَيْءَ عَلَى الْوَكِيلِ إلَّا أَنْ يَكُونَ ضَمِنَ ذَلِكَ لَهُ. قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله: لَيْسَ هَذَا عِنْدِي بِشَيْءٍ وَالْخُلْعُ عِنْدَهُ كَالْبَيْعِ فِي أَكْثَرِ مَعَانِيهِ، وَإِذَا بَاعَ الْوَكِيلُ مَا وَكَّلَهُ بِهِ صَاحِبُهُ بِمَا لاَ يَجُوزُ مِنْ الثَّمَنِ بَطَلَ الْبَيْعُ فَكَذَلِكَ لَمَّا طَلَّقَهَا عَلَيْهِ بِمَا لاَ يَجُوزُ مِنْ الْبَدَلِ بَطَلَ الطَّلاَقُ عَنْهُ كَمَا بَطَلَ الْبَيْعُ عَنْهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله: وَلَوْ وَكَّلَ مَنْ يُخَالِعُهَا بِمِائَةٍ فَخَالَعَهَا بِخَمْسِينَ فَلاَ طَلاَقَ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ بِمِائَةٍ فَأَعْطَتْهُ خَمْسِينَ. قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله: وَهَذَا بَيَانٌ لِمَا قُلْت فِي الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا.
مِنْ كِتَابِ نُشُوزِ الرَّجُلِ عَلَى الْمَرْأَةِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله: وَيَجُوزُ الْخُلْعُ فِي الْمَرَضِ كَمَا يَجُوزُ الْبَيْعُ فَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ هُوَ الْمَرِيضُ فَخَالَعَهَا بِأَقَلَّ مِنْ مَهْرِهَا ثُمَّ مَاتَ فَجَائِزٌ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ، فَإِنْ كَانَتْ هِيَ الْمَرِيضَةَ فَخَالَعَتْهُ بِأَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا ثُمَّ مَاتَتْ مِنْ مَرَضِهَا جَازَ لَهُ مَهْرُ مِثْلِهَا وَكَانَ الْفَضْلُ وَصِيَّةً يُحَاصُّ أَهْلُ الْوَصَايَا بِهَا فِي ثُلُثِهَا، وَلَوْ كَانَ خَلَعَهَا بِعَبْدٍ يُسَاوِي مِائَةً وَمَهْرُ مِثْلِهَا خَمْسُونَ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ نِصْفَ الْعَبْدِ وَنِصْفَ مَهْرِ مِثْلِهَا أَوْ يَرُدُّ وَيَرْجِعُ بِمَهْرِ مِثْلِهَا كَمَا لَوْ اشْتَرَاهُ فَاسْتُحِقَّ نِصْفُهُ. قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله لَيْسَ هَذَا عِنْدِي بِشَيْءٍ وَلَكِنْ لَهُ مِنْ الْعَبْدِ مَهْرُ مِثْلِهَا وَمَا بَقِيَ مِنْ الْعَبْدِ بَعْدَ مَهْرِ مِثْلِهَا وَصِيَّةٌ لَهُ إنْ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ فَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مَا بَقِيَ مِنْ الْعَبْدِ مِنْ الثُّلُثِ وَلَمْ يَكُنْ لَهَا غَيْرُهُ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ قَبِلَ وَصِيَّتَهُ وَهُوَ الثُّلُثُ مِنْ نِصْفِ الْعَبْدِ، وَكَانَ مَا بَقِيَ لِلْوَرَثَةِ، وَإِنْ شَاءَ رَدَّ الْعَبْدَ وَأَخَذَ مَهْرَ مِثْلِهَا؛ لِأَنَّهُ إذَا صَارَ فِي الْعَبْدِ شِرْكٌ لِغَيْرِهِ فَهُوَ عَيْبٌ يَكُونُ فِيهِ الْخِيَارُ.
مِنْ كِتَابِ نُشُوزِ الرَّجُلِ عَلَى الْمَرْأَةِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله إنْ اخْتَلَعَتْ الذِّمِّيَّةُ بِخَمْرٍ أَوْ بِخِنْزِيرٍ فَدَفَعَتْهُ ثُمَّ تَرَافَعَا إلَيْنَا أَجَزْنَا الْخُلْعَ وَالْقَبْضَ، وَلَوْ لَمْ تَكُنْ دَفَعَتْهُ جَعَلْنَا لَهُ عَلَيْهَا مَهْرَ مِثْلِهَا وَهَكَذَا أَهْلُ الْحَرْبِ إلَّا أَنَّا لاَ نَحْكُمُ عَلَيْهِمْ حَتَّى يَجْتَمِعُوا عَلَى الرِّضَا وَنَحْكُمُ عَلَى الذِّمِّيَّيْنِ إذَا جَاءَانَا أَوْ أَحَدُهُمَا. وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ.
مِنْ الْجَامِعِ مِنْ كِتَابِ أَحْكَامِ الْقُرْآنِ وَمِنْ إبَاحَةِ الطَّلاَقِ وَمِنْ جِمَاعِ عِشْرَةِ النِّسَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} وَقَدْ قُرِئَتْ لِقَبْلِ عِدَّتِهِنَّ. قَالَ وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ {وَطَلَّقَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ فِي زَمَانِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ عُمَرُ فَسَأَلْت النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ مَرَّةً فَلْيُرَاجِعْهَا ثُمَّ لِيُمْسِكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ ثُمَّ إنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا بَعْدُ وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ أَنْ يُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ}. قَالَ وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَيُونُسُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ يُخَالِفُونَ نَافِعًا فِي شَيْءٍ مِنْهُ قَالُوا كُلُّهُمْ عَنْ ابْنِ عُمَرَ {أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ مَرَّةً فَلْيُرَاجِعْهَا ثُمَّ لِيُمْسِكْهَا حَتَّى تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ ثُمَّ إنْ شَاءَ أَمْسَكَ وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ} وَلَمْ يَقُولُوا: ثُمَّ تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ. قَالَ وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الطَّلاَقَ يَقَعُ عَلَى الْحَائِضِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَأْمُرْ بِالْمُرَاجَعَةِ إلَّا مَنْ لَزِمَهُ الطَّلاَقُ. قَالَ وَأُحِبُّ أَنْ يُطَلِّقَ وَاحِدَةً لِتَكُونَ لَهُ الرَّجْعَةُ لِلْمَدْخُولِ بِهَا وَخَاطِبًا لِغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا وَلاَ يَحْرُمُ عَلَيْهِ أَنْ يُطَلِّقَهَا ثَلاَثًا؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَبَاحَ الطَّلاَقَ فَلَيْسَ بِمَحْظُورٍ وَعَلَّمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ابْنَ عُمَرَ مَوْضِعَ الطَّلاَقِ فَلَوْ كَانَ فِي عَدَدِهِ مَحْظُورٌ وَمُبَاحٌ لِعِلْمِهِ إيَّاهُ صلى الله عليه وسلم إنْ شَاءَ اللَّهُ. {وَطَلَّقَ الْعَجْلاَنِيُّ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثَلاَثًا فَلَمْ يُنْكِرْهُ عَلَيْهِ} {وَسَأَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم رُكَانَةَ لَمَّا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ أَلْبَتَّةَ مَا أَرَدْت}؟ وَلَمْ يَنْهَهُ أَنْ يَزِيدَ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله وَلَوْ طَلَّقَهَا طَاهِرًا بَعْدَ جِمَاعٍ أَحْبَبْت أَنْ يَرْتَجِعَهَا ثُمَّ يُمْهِلَ لِيُطَلِّقَ كَمَا أُمِرَ وَإِنْ كَانَتْ فِي طُهْرٍ بَعْدَ جِمَاعٍ فَإِنَّهَا تَعْتَدُّ بِهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله وَلَوْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا أَوْ دَخَلَ بِهَا وَكَانَتْ حَامِلاً أَوْ لاَ تَحِيضُ مِنْ صِغَرٍ أَوْ كِبَرٍ فَقَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلاَثًا لِلسُّنَّةِ أَوْ الْبِدْعَةِ طَلُقَتْ مَكَانَهَا؛ لِأَنَّهَا لاَ سُنَّةَ فِي طَلاَقِهَا وَلاَ بِدْعَةَ وَإِنْ كَانَتْ تَحِيضُ فَقَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلاَثًا لِلسُّنَّةِ فَإِنْ كَانَتْ طَاهِرًا مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ طَلُقَتْ ثَلاَثًا مَعًا وَإِنْ كَانَتْ مُجَامَعَةً أَوْ حَائِضًا أَوْ نُفَسَاءَ وَقَعَ عَلَيْهَا الطَّلاَقُ حِينَ تَطْهُرُ مِنْ الْحَيْضِ أَوْ النِّفَاسِ وَحِينَ تَطْهُرُ الْمُجَامَعَةُ مِنْ أَوَّلِ حَيْضٍ بَعْدَ قَوْلِهِ وَقَبْلَ الْغُسْلِ، وَإِنْ قَالَ: نَوَيْت أَنْ تَقَعَ فِي كُلِّ طُهْرٍ طَلْقَةً وَقَعْنَ مَعًا فِي الْحُكْمِ وَعَلَى مَا نَوَى فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ، وَلَوْ كَانَ قَالَ فِي كُلِّ قُرْءٍ وَاحِدَةً فَإِنْ كَانَتْ طَاهِرًا حُبْلَى وَقَعَتْ الْأُولَى وَلَمْ تَقَعْ الثِّنْتَانِ إنْ كَانَتْ تَحِيضُ عَلَى الْحَبَلِ أَوْ لاَ تَحِيضُ حَتَّى تَلِدَ ثُمَّ تَطْهُرَ فَإِنْ لَمْ يُحْدِثْ لَهَا رَجْعَةً حَتَّى تَلِدَ بَانَتْ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَلَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا غَيْرُ الْأُولَى. وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلاَثًا بَعْضُهُنَّ لِلسُّنَّةِ وَبَعْضُهُنَّ لِلْبِدْعَةِ وَقَعَتْ اثْنَتَانِ فِي أَيِّ الْحَالَيْنِ كَانَتْ وَالْأُخْرَى إذَا صَارَتْ فِي الْحَالِ الْأُخْرَى قُلْت أَنَا أَشْبَهُ بِمَذْهَبِهِ عِنْدِي أَنَّ قَوْلَ بَعْضِهِنَّ يَحْتَمِلُ وَاحِدَةً فَلاَ يَقَعُ غَيْرُهَا أَوْ اثْنَتَيْنِ فَلاَ يَقَعُ غَيْرُهُمَا أَوْ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ بَعْضُهَا فَيَقَعُ بِذَلِكَ ثَلاَثٌ فَلَمَّا كَانَ الشَّكُّ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مَعَ يَمِينِهِ مَا أَرَادَ بِبَعْضِهِنَّ فِي الْحَالِ الْأُولَى إلَّا وَاحِدَةً وَبَعْضُهُنَّ الْبَاقِي فِي الْحَالِ الثَّانِيَةِ فَالْأَقَلُّ يَقِينٌ وَمَا زَادَ شَكٌّ وَهُوَ لاَ يَسْتَعْمِلُ الْحُكْمَ بِالشَّكِّ فِي الطَّلاَقِ. قَالَ وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ أَعْدَلُ أَوْ أَحْسَنُ أَوْ أَكْمَلُ أَوْ مَا أَشْبَهَهُ سَأَلْته عَنْ نِيَّتِهِ فَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا وَقَعَ الطَّلاَقُ لِلسُّنَّةِ، وَلَوْ قَالَ: أَقْبَحُ أَوْ أَسْمَجُ أَوْ أَفْحَشُ أَوْ مَا أَشْبَهَهُ سَأَلْته عَنْ نِيَّتِهِ فَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا وَقَعَ لِلْبِدْعَةِ، وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً حَسَنَةً قَبِيحَةً أَوْ جَمِيلَةً فَاحِشَةً طَلُقَتْ حِينَ تَكَلَّمَ، وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إذَا قَدِمَ فُلاَنٌ لِلسُّنَّةِ فَقَدِمَ فُلاَنٌ فَهِيَ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ، وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ لِفُلاَنٍ أَوْ لِرِضَا فُلاَنٍ طَلُقَتْ مَكَانَهُ، وَلَوْ قَالَ: إنْ لَمْ تَكُونِي حَامِلاً فَأَنْتِ طَالِقٌ وَقَفَ عَنْهَا حَتَّى تَمُرَّ لَهَا دَلاَلَةٌ عَلَى الْبَرَاءَةِ مِنْ الْحَمْلِ، وَلَوْ قَالَتْ لَهُ: طَلَّقَنِي فَقَالَ: كُلُّ امْرَأَةٍ لِي طَالِقٌ طَلُقَتْ امْرَأَتُهُ الَّتِي سَأَلَتْهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَزَلَهَا بِنِيَّتِهِ.
مِنْ الْجَامِعِ مِنْ كِتَابِ الرَّجْعَةِ وَمِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ وَمِنْ إمْلاَءِ مَسَائِلِ مَالِكٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى الطَّلاَقَ فِي كِتَابِهِ بِثَلاَثَةِ أَسْمَاءٍ الطَّلاَقُ وَالْفِرَاقُ وَالسَّرَاحُ فَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ أَوْ قَدْ طَلَّقْتُكِ أَوْ فَارَقْتُكِ أَوْ سَرَّحْتُكِ لَزِمَهُ وَلَمْ يَنْوِ فِي الْحُكْمِ وَيَنْوِي فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُرِيدُ طَلاَقًا مِنْ وِثَاقٍ كَمَا لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ: أَنْتَ حُرٌّ يُرِيدُ حُرَّ النَّفْسِ وَلاَ يَسْعَ امْرَأَتَهُ وَعَبْدَهُ أَنْ قَبِلاَ مِنْهُ وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ عِنْدَ غَضَبٍ أَوْ مَسْأَلَةِ طَلاَقٍ أَوْ رِضًا، وَقَدْ يَكُونُ السَّبَبُ وَيَحْدُثُ كَلاَمٌ عَلَى غَيْرِ السَّبَبِ فَإِنْ قَالَ: قَدْ فَارَقْتُك سَائِرًا إلَى الْمَسْجِدِ أَوْ سَرَّحْتُك إلَى أَهْلِك أَوْ قَدْ طَلَّقْتُك مِنْ وِثَاقِك أَوْ مَا أَشْبَهَ هَذَا لَمْ يَكُنْ طَلاَقًا. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ يَكُونُ هَذَا طَلاَقًا تَقَدَّمَ فَأَتْبَعَهُ كَلاَمًا يَخْرُجُ بِهِ مِنْهُ قِيلَ: قَدْ يَقُولُ: لاَ إلَهَ إلَّا اللَّهُ فَيَكُونُ مُؤْمِنًا يُبَيِّنُ آخِرَ الْكَلاَمِ عَنْ أَوَّلِهِ، وَلَوْ أَفْرَدَ " لاَ إلَهَ " كَانَ كَافِرًا. وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ خَلِيَّةٌ أَوْ بَائِنٌ أَوْ بَرِيئَةٌ أَوْ بَتَّةٌ أَوْ حَرَامٌ أَوْ مَا أَشْبَهَهُ فَإِنْ قَالَ قُلْته وَلَمْ أَنْوِ طَلاَقًا وَأَنْوِي بِهِ السَّاعَةَ طَلاَقًا لَمْ يَكُنْ طَلاَقًا حَتَّى يَبْتَدِئَهُ وَنِيَّتُهُ الطَّلاَقُ وَمَا أَرَادَ مِنْ عَدَدٍ. قَالَ وَلَوْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ حُرَّةٌ يُرِيدُ الطَّلاَقَ وَلِأَمَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ يُرِيدُ الْعِتْقَ لَزِمَهُ ذَلِكَ. وَلَوْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً بَائِنًا كَانَتْ وَاحِدَةً يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَكَمَ فِي الْوَاحِدَةِ وَالثِّنْتَيْنِ بِالرَّجْعَةِ، كَمَا لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ: أَنْتَ حُرٌّ وَلاَ وَلاَءَ لِي عَلَيْك، كَانَ حُرًّا وَالْوَلاَءُ لَهُ جَعَلَ عليه السلام {الْوَلاَءَ لِمَنْ أَعْتَقَ} كَمَا جَعَلَ اللَّهُ الرَّجْعَةَ لِمَنْ طَلَّقَ وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ {وَطَلَّقَ رُكَانَةُ امْرَأَتَهُ أَلْبَتَّةَ فَأَحْلَفَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَا أَرَادَ إلَّا وَاحِدَةً وَرَدَّهَا عَلَيْهِ} وَطَلَّقَ الْمُطَّلِبُ بْنُ حَنْطَبٍ امْرَأَتَهُ أَلْبَتَّةَ فَقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: أَمْسِكْ عَلَيْك امْرَأَتَك فَإِنَّ الْوَاحِدَةَ تَبُتُّ. وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه لِرَجُلٍ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: حَبْلُك عَلَى غَارِبِك مَا أَرَدْت؟ وَقَالَ شُرَيْحٌ: أَمَّا الطَّلاَقُ فَسُنَّةٌ فَأَمْضُوهُ وَأَمَّا أَلْبَتَّةَ فَبِدْعَةٌ فَدَيِّنُوهُ. قَالَ وَيَحْتَمِلُ طَلاَقَ الْبَتَّةِ يَقِينًا وَيَحْتَمِلُ الْإِبْتَاتَ الَّذِي لَيْسَ بَعْدَهُ شَيْءٌ وَيَحْتَمِلُ وَاحِدَةً مُبَيَّنَةً مِنْهُ حَتَّى يَرْتَجِعَهَا فَلَمَّا احْتَمَلَتْ مَعَانِيَ جُعِلَتْ إلَى قَائِلِهَا. وَلَوْ كَتَبَ بِطَلاَقِهَا فَلاَ يَكُونُ طَلاَقًا إلَّا بِأَنْ يَنْوِيَهُ كَمَا لاَ يَكُونُ مَا خَالَفَ الصَّرِيحَ طَلاَقًا إلَّا بِأَنْ يَنْوِيَهُ فَإِذَا كَتَبَ إذَا جَاءَك كِتَابِي فَحَتَّى يَأْتِيَهَا فَإِنْ كَتَبَ أَمَّا بَعْدُ فَأَنْتِ طَالِقٌ طَلُقَتْ مِنْ حِينِ كَتَبَ وَإِنْ شَهِدَ عَلَيْهِ أَنَّ هَذَا خَطُّهُ لَمْ يَلْزَمْهُ حَتَّى يُقِرَّ بِهِ. وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: اخْتَارِي أَوْ أَمْرُك بِيَدِك فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا فَقَالَ: مَا أَرَدْت طَلاَقًا- لَمْ يَكُنْ طَلاَقًا إلَّا بِأَنْ يُرِيدَهُ وَلَوْ أَرَادَ طَلاَقًا فَقَالَتْ: قَدْ اخْتَرْت نَفْسِي، سُئِلَتْ فَإِنْ أَرَادَتْ طَلاَقًا فَهُوَ طَلاَقٌ وَإِنْ لَمْ تُرِدْهُ فَلَيْسَ بِطَلاَقٍ وَلاَ أَعْلَمُ خِلاَفًا أَنَّهَا إنْ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا مِنْ الْمَجْلِسِ وَتُحْدِثُ قَطْعًا لِذَلِكَ أَنَّ الطَّلاَقَ يَقَعُ عَلَيْهَا فَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ لِهَذَا الْمَوْضِعِ إجْمَاعٌ وَقَالَ فِي الْإِمْلاَءِ عَلَى مَسَائِلِ مَالِكٍ: وَإِنْ مَلَكَ أَمْرَهَا غَيْرُهَا فَهَذِهِ وَكَالَةٌ مَتَى أَوْقَعَ الطَّلاَقَ وَقَعَ وَمَتَى شَاءَ الزَّوْجُ رَجَعَ وَقَالَ فِيهِ وَسَوَاءٌ قَالَتْ: طَلَّقْتُك أَوْ طَلَّقْت نَفْسِي إذَا أَرَادَتْ طَلاَقًا، وَلَوْ جَعَلَ لَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا ثَلاَثًا فَطَلَّقَتْ وَاحِدَةً فَإِنَّ لَهَا ذَلِكَ. وَلَوْ طَلَّقَ بِلِسَانِهِ وَاسْتَثْنَى بِقَلْبِهِ لَزِمَهُ الطَّلاَقُ وَلَمْ يَكُنْ الِاسْتِثْنَاءُ إلَّا بِلِسَانِهِ. وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ يُرِيدُ تَحْرِيمَهَا بِلاَ طَلاَقٍ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم حَرَّمَ جَارِيَتَهُ فَأَمَرَ بِكَفَّارَةِ يَمِينٍ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله؛ لِأَنَّهُمَا تَحْرِيمُ فَرْجَيْنِ حِلَّيْنِ بِمَا لَمْ يُحَرَّمَا بِهِ، وَقَالَ: كُلُّ مَا أَمْلِكُ عَلَيَّ حَرَامٌ يَعْنِي امْرَأَتَهُ وَجَوَارِيَهُ وَمَالَهُ كَفَّرَ عَنْ الْمَرْأَةِ وَالْجَوَارِي كَفَّارَةً وَاحِدَةً وَلَمْ يُكَفِّرْ عَنْ مَالِهِ وَقَالَ فِي الْإِمْلاَءِ: وَإِنْ نَوَى إصَابَةً قُلْنَا: أَصِبْ وَكَفِّرْ، وَلَوْ قَالَ: كَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ فَهُوَ كَالْحَرَامِ. فَأَمَّا مَا لاَ يُشْبِهُ الطَّلاَقَ مِثْلَ قَوْلِهِ: بَارَكَ اللَّهُ فِيك أَوْ اسْقِينِي أَوْ أَطْعِمِينِي أَوْ أَرْوِينِي أَوْ زَوِّدِينِي وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَلَيْسَ بِطَلاَقٍ وَإِنْ نَوَاهُ وَلَوْ أَجَزْت النِّيَّةَ بِمَا لاَ يُشْبِهُ الطَّلاَقَ أَجَزْت أَنْ يُطَلِّقَ فِي نَفْسِهِ. وَلَوْ قَالَ لِلَّتِي لَمْ يَدْخُلْ بِهَا: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلاَثًا لِلسُّنَّةِ وَقَعْنَ مَعًا وَلَوْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ، وَقَعَتْ الْأُولَى وَبَانَتْ بِلاَ عِدَّةٍ. وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
مِنْ كِتَابِ إبَاحَةِ الطَّلاَقِ وَالْإِمْلاَءِ وَغَيْرِهِمَا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى عَلَيْهِ وَأَيُّ أَجَلٍ طَلَّقَ إلَيْهِ لَمْ يَلْزَمْهُ قَبْلَ وَقْتِهِ، وَلَوْ قَالَ فِي شَهْرِ كَذَا أَوْ فِي غُرَّةِ هِلاَلِ كَذَا طَلُقَتْ فِي الْمَغِيبِ مِنْ اللَّيْلَةِ الَّتِي يَرَى فِيهَا هِلاَلَ ذَلِكَ الشَّهْرِ، وَلَوْ قَالَ: إذَا رَأَيْت هِلاَلَ شَهْرِ كَذَا حَنِثَ إذَا رَآهُ غَيْرُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَرَادَ رُؤْيَةَ نَفْسِهِ، وَلَوْ قَالَ: إذَا مَضَتْ سَنَةٌ وَقَدْ مَضَى مِنْ الْهِلاَلِ خَمْسٌ لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَمْضِيَ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ لَيْلَةٍ مِنْ يَوْمِ تَكَلَّمَ وَأَحَدَ عَشَرَ شَهْرًا بِالْأَهِلَّةِ وَخَمْسٌ بَعْدَهَا، وَلَوْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ الشَّهْرَ الْمَاضِي طَلُقَتْ مَكَانَهَا وَإِيقَاعُهُ الطَّلاَقَ الْآنَ فِي وَقْتٍ مَضَى مُحَالٌ، وَلَوْ قَالَ: عَنَيْت أَنَّهَا مُطَلَّقَةً مِنْ غَيْرِي لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهَا كَانَتْ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مُطَلَّقَةً مِنْ غَيْرِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ فِي نُحُولِ ذَلِكَ، وَلَوْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ إذَا طَلَّقْتُك فَإِذَا طَلَّقَهَا وَقَعَتْ عَلَيْهَا وَاحِدَةٌ بِابْتِدَائِهِ الطَّلاَقَ وَالْأُخْرَى بِالْحِنْثِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى، وَلَوْ كَانَ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ كُلَّمَا وَقَعَ عَلَيْك طَلاَقِي وَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً طَلُقَتْ ثَلاَثًا وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا طَلُقَتْ بِالْأُولَى وَحْدَهَا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَكَذَلِكَ لَوْ خَالَعَهَا بِطَلْقَةٍ مَدْخُولاً بِهَا. قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله تعالى أَلْطَفَ الشَّافِعِيُّ فِي وَقْتِ إيقَاعِ الطَّلاَقِ فَلَمْ يُوقِعْ إلَّا وَاحِدَةً، وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إذَا لَمْ أُطَلِّقْكِ أَوْ مَتَى مَا لَمْ أُطَلِّقْك فَسَكَتَ مُدَّةً يُمْكِنُهُ فِيهَا الطَّلاَقُ طَلُقَتْ، وَلَوْ كَانَ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمْ أُطَلِّقْك لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى نَعْلَمَ أَنَّهُ لاَ يُطَلِّقُهَا بِمَوْتِهِ أَوْ بِمَوْتِهَا. قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله تعالى فَرَّقَ الشَّافِعِيُّ بَيْنَ " إذَا " وَ" إنْ " فَأَلْزَمَ فِي " إذَا " إذَا لَمْ يَفْعَلْهُ مِنْ سَاعَتِهِ وَلَمْ يُلْزِمْهُ فِي " إنْ " إلَّا بِمَوْتِهِ أَوْ بِمَوْتِهَا. وَلَوْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ إذَا قَدِمَ فُلاَنٌ فَقَدِمَ بِهِ مَيِّتًا أَوْ مُكْرَهًا لَمْ تَطْلُقْ، وَلَوْ قَالَ: إذَا رَأَيْته فَرَآهُ فِي تِلْكَ الْحَالِ حَنِثَ، وَلَوْ حَلَفَ لاَ تَأْخُذْ مَا لَك عَلَيَّ فَأَجْبَرَهُ السُّلْطَانُ فَأَخَذَ مِنْهُ الْمَالَ حَنِثَ، وَلَوْ قَالَ: لاَ أُعْطِيك لَمْ يَحْنَثْ، وَلَوْ قَالَ: إنْ كَلَّمْته فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَكَلَّمَتْهُ حَيْثُ يَسْمَعُ حَنِثَ وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ لَمْ يَحْنَثْ وَإِنْ كَلَّمَتْهُ مَيِّتًا أَوْ حَيْثُ لاَ يَسْمَعُ لَمْ يَحْنَثْ وَإِنْ كَلَّمَتْهُ مُكْرَهَةً لَمْ يَحْنَثْ وَإِنْ كَلَّمَتْهُ سَكْرَانَةً حَنِثَ. وَلَوْ قَالَ لِمَدْخُولٍ بِهَا: أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ وَقَعَتْ الْأُولَى وَسُئِلَ مَا نَوَى فِي الثِّنْتَيْنِ بَعْدَهَا؟ فَإِنْ أَرَادَ تَبْيِينَ الْأُولَى فَهِيَ وَاحِدَةٌ وَمَا أَرَادَ. وَإِنْ قَالَ: لَمْ أُرِدْ طَلاَقًا لَمْ يُدَنْ فِي الْأُولَى وَدُيِّنَ فِي الثِّنْتَيْنِ، وَلَوْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ وَطَالِقٌ وَقَعَتْ الْأُولَى وَالثَّانِيَةُ بِالْوَاوِ؛ لِأَنَّهَا اسْتِئْنَافٌ لِكَلاَمٍ فِي الظَّاهِرِ وَدُيِّنَ فِي الثَّالِثَةِ فَإِنْ أَرَادَ بِهَا طَلاَقًا فَهُوَ طَلاَقٌ وَإِنْ أَرَادَ بِهَا تَكْرِيرًا فَلَيْسَ بِطَلاَقٍ وَكَذَلِكَ أَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ طَالِقٌ ثُمَّ طَالِقٌ وَكَذَلِكَ طَالِقٌ بَلْ طَالِقٌ بَلْ طَالِقٌ. قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله وَفِي كِتَابِ الْإِمْلاَءِ وَإِنْ أَدْخَلَ " ثُمَّ " أَوْ وَاوًا فِي كَلِمَتَيْنِ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَظَاهِرُهَا اسْتِئْنَافٌ وَهِيَ ثَلاَثٌ. قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله وَالظَّاهِرُ فِي الْحُكْمِ أَوْلَى وَالْبَاطِنُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله: وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ طَلاَقًا فَهِيَ وَاحِدَةٌ كَقَوْلِهِ طَلاَقًا حَسَنًا. وَكُلُّ مُكْرَهٍ وَمَغْلُوبٍ عَلَى عَقْلِهِ فَلاَ يَلْحَقُهُ الطَّلاَقُ خَلاَ السَّكْرَانَ مِنْ خَمْرٍ أَوْ نَبِيذٍ فَإِنَّ الْمَعْصِيَةَ بِشُرْبِ الْخَمْرِ لاَ تَسْقُطُ عَنْهُ فَرْضًا وَلاَ طَلاَقًا وَالْمَغْلُوبُ عَلَى عَقْلِهِ مِنْ غَيْرِ مَعْصِيَةٍ مُثَابٌ فَكَيْفَ يُقَاسُ مَنْ عَلَيْهِ الْعِقَابُ عَلَى مَنْ لَهُ الثَّوَابُ، وَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْحِجَازِ: لاَ يَلْزَمُهُ طَلاَقٌ فَيَلْزَمُهُ إذَا لَمْ يَجُزْ عَلَيْهِ تَحْرِيمُ الطَّلاَقِ أَنْ يَقُولَ وَلاَ عَلَيْهِ قَضَاءُ الصَّلاَةِ كَمَا لاَ يَكُونُ عَلَى الْمَغْلُوبِ عَلَى عَقْلِهِ قَضَاءُ صَلاَةٍ.
مِنْ الْجَامِعِ مِنْ كِتَابَيْنِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى، وَلَوْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً فِي اثْنَتَيْنِ فَإِنْ نَوَى مَقْرُونَةً بِاثْنَتَيْنِ فَهِيَ ثَلاَثٌ وَإِنْ نَوَى الْحِسَابَ فَهِيَ اثْنَتَانِ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا فَوَاحِدَةٌ، وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً لاَ تَقَعُ عَلَيْك فَهِيَ وَاحِدَةٌ وَإِنْ قَالَ وَاحِدَةً قَبْلَهَا وَاحِدَةٌ كَانَتْ تَطْلِيقَتَيْنِ، وَإِنْ قَالَ: رَأْسُك أَوْ شَعْرُك أَوْ يَدُك أَوْ رِجْلُك أَوْ جُزْءٌ مِنْ أَجْزَائِك طَالِقٌ فَهِيَ طَالِقٌ لاَ يَقَعُ عَلَى بَعْضِهَا دُونَ بَعْضٍ، وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ بَعْضَ تَطْلِيقَةٍ كَانَتْ تَطْلِيقَةً وَالطَّلاَقُ لاَ يَتَبَعَّضُ، وَلَوْ قَالَ: نِصْفَيْ تَطْلِيقَةٍ فَهِيَ وَاحِدَةٌ، وَلَوْ قَالَ لِأَرْبَعِ نِسْوَةٍ: قَدْ أَوْقَعْت بَيْنَكُنَّ تَطْلِيقَةً كَانَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ طَالِقًا وَاحِدَةً وَكَذَلِكَ تَطْلِيقَتَيْنِ وَثَلاَثًا وَأَرْبَعًا إلَّا أَنْ يُرِيدَ قَسَمَ كُلِّ وَاحِدَةٍ فَيُطَلِّقْنَ ثَلاَثًا ثَلاَثًا. وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلاَثًا إلَّا اثْنَتَيْنِ فَهِيَ وَاحِدَةٌ، وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلاَثًا إلَّا ثَلاَثًا فَهِيَ ثَلاَثٌ إنَّمَا يَجُوزُ الِاسْتِثْنَاءُ إذَا بَقِيَ شَيْئًا فَإِذَا لَمْ يُبْقِ شَيْئًا فَمُحَالٌ، وَلَوْ قَالَ: كُلَّمَا وَلَدْت وَلَدًا فَأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً فَوَلَدَتْ ثَلاَثًا فِي بَطْنٍ طَلُقَتْ بِالْأَوَّلِ وَاحِدَةً وَبِالثَّانِي أُخْرَى وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِالثَّالِثِ، وَلَوْ قَالَ: إنْ شَاءَ اللَّهُ، لَمْ يَقَعْ وَالِاسْتِثْنَاءُ فِي الطَّلاَقِ وَالْعِتْقِ وَالنُّذُورِ كَهُوَ فِي الْأَيْمَانِ.
مِنْ كِتَابِ الرَّجْعَةِ وَمِنْ الْعِدَّةِ وَمِنْ الْإِمْلاَءِ عَلَى مَسَائِلِ مَالِكٍ وَاخْتِلاَفِ الْحَدِيثِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَطَلاَقُ الْمَرِيضِ وَالصَّحِيحِ سَوَاءٌ، فَإِنْ طَلَّقَ مَرِيضٌ ثَلاَثًا فَلَمْ يَصِحَّ حَتَّى مَاتَ فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا. قَالَ الْمُزَنِيّ فَذَكَرَ حُكْمَ عُثْمَانَ بِتَوْرِيثِهَا مِنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فِي مَرَضِهِ وَقَوْلَ ابْنِ الزُّبَيْرِ لَوْ كُنْت أَنَا لَمْ أَرَ أَنْ تَرِثَ الْمَبْتُوتَةُ. قَالَ الْمُزَنِيّ وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى فِي كِتَابِ الْعِدَّةِ: إنَّ الْقَوْلَ بِأَنْ لاَ تَرِثَ الْمَبْتُوتَةُ قَوْلٌ يَصِحُّ وَقَدْ ذَهَبَ إلَيْهِ بَعْضُ أَهْلِ الْآثَارِ، وَقَالَ: كَيْفَ تَرِثُهُ امْرَأَةٌ لاَ يَرِثُهَا وَلَيْسَتْ لَهُ بِزَوْجَةٍ. قَالَ الْمُزَنِيّ فَقُلْت أَنَا هَذَا أَصَحُّ وَأَقْيَسُ لِقَوْلِهِ. قَالَ الْمُزَنِيّ وَقَالَ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ وَالطَّلاَقِ إمْلاَءً عَلَى مَسَائِلِ مَالِكٍ إنَّ مَذْهَبَ ابْنِ الزُّبَيْرِ أَصَحُّهُمَا وَقَالَ فِيهِ: لَوْ أَقَرَّ فِي مَرَضِهِ أَنَّهُ طَلَّقَهَا فِي صِحَّتِهِ ثَلاَثًا لَمْ تَرِثْهُ وَحُكْمُ الطَّلاَقِ فِي الْإِيقَاعِ وَالْإِقْرَارِ فِي الْقِيَاسِ عِنْدِي سَوَاءٌ. وَقَالَ فِي كِتَابِ اخْتِلاَفِ أَبِي حَنِيفَةَ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى: لاَ تَرِثُ الْمَبْتُوتَةُ. قَالَ الْمُزَنِيّ وَقَدْ احْتَجَّ الشَّافِعِيُّ رحمه الله عَلَى مَنْ قَالَ: إذَا ادَّعَيَا وَلَدًا فَمَاتَ وَرِثَهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفَ ابْنٍ وَإِنْ مَاتَا وَرِثَهُمَا كَمَالِ أَبٍ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ: النَّاسُ يَرِثُونَ مَنْ يُوَرَّثُونَ فَأَلْزَمَهُمْ تَنَاقُضَ قَوْلِهِمْ: إذَا لَمْ يَجْعَلُوا الِابْنَ مِنْهُمَا كَهُمَا مِنْهُ فِي الْمِيرَاثِ فَكَذَلِكَ إنَّمَا تَرِثُ الزَّوْجَةُ الزَّوْجَ مِنْ حَيْثُ يَرِثُهَا فَإِذَا ارْتَفَعَ الْمَعْنَى الَّذِي يَرِثُهَا بِهِ لَمْ تَرِثْهُ وَهَذَا أَصَحُّ فِي الْقِيَاسِ وَكَذَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ مَا قَرَّرْت مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَلاَ مِنْ سُنَّةِ رَسُولِهِ وَتَبِعْهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: لَمَّا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: {إنَّ الشَّيْطَانَ لَعَنَهُ اللَّهُ يَأْتِي أَحَدَكُمْ فَيَنْفُخُ بَيْنَ أَلْيَتَيْهِ فَلاَ يَنْصَرِفُ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَشُمَّ رِيحًا} عَلِمْنَا أَنَّهُ لَمْ يَزُلْ يَقِينُ طَهَارَةٍ إلَّا بِيَقِينِ حَدَثٍ فَكَذَلِكَ مَنْ اسْتَيْقَنَ نِكَاحًا ثُمَّ شَكَّ فِي الطَّلاَقِ لَمْ يَزُلْ الْيَقِينُ إلَّا بِالْيَقِينِ. قَالَ وَلَوْ قَالَ: حَنِثْت بِالطَّلاَقِ أَوْ فِي الْعِتْقِ وَقَفَ عَنْ نِسَائِهِ وَرَقِيقِهِ حَتَّى يُبَيِّنَ وَيَحْلِفَ لِلَّذِي يَدَّعِي، فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ أَقْرَعَ بَيْنَهُمْ فَإِنْ خَرَجَ السَّهْمُ عَلَى الرَّقِيقِ عَتَقُوا مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَإِنْ وَقَعَتْ عَلَى النِّسَاءِ لَمْ يُطَلَّقْنَ وَلَمْ يُعْتَقْ الرَّقِيقُ وَالْوَرَعُ أَنْ يَدَعْنَ مِيرَاثَهُ، وَلَوْ قَالَ: إحْدَاكُمَا طَالِقٌ ثَلاَثًا مُنِعَ مِنْهُمَا وَأُخِذَ بِنَفَقَتِهِمَا حَتَّى يُبَيِّنَ فَإِنْ قَالَ: لَمْ أُرِدْ هَذِهِ بِالطَّلاَقِ كَانَ إقْرَارًا مِنْهُ لِلْأُخْرَى، وَلَوْ قَالَ: أَخْطَأْت بَلْ هِيَ هَذِهِ طَلُقَتَا مَعًا بِإِقْرَارِهِ فَإِنْ مَاتَتَا أَوْ إحْدَاهُمَا قَبْلَ أَنْ يُبَيِّنَ وَقَفْنَا لَهُ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مِيرَاثَ زَوْجٍ. وَإِذَا قَالَ لِإِحْدَاهُمَا هَذِهِ الَّتِي طَلَّقْت رَدَدْنَا عَلَى أَهْلِهَا مَا وَقَفْنَا لَهُ وأحلفناه لِوَرَثَةِ الْأُخْرَى، وَلَوْ كَانَ هُوَ الْمَيِّتُ وَقَفْنَا لَهُمَا مِيرَاثَ امْرَأَةٍ حَتَّى يَصْطَلِحَا، فَإِنْ مَاتَتْ وَاحِدَةٌ قَبْلَهُ ثُمَّ مَاتَ بَعْدَهَا فَقَالَ وَارِثُهُ طَلَّقَ الْأُولَى وَرِثَتْ الْأُخْرَى بِلاَ يَمِينٍ، وَإِنْ قَالَ: طَلَّقَ الْحَيَّةَ فَفِيهَا قَوْلاَنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يَقُومُ مَقَامَ الْمَيِّتِ فَيَحْلِفُ أَنَّ الْحَيَّةَ هِيَ الَّتِي طَلَّقَ ثَلاَثًا وَيَأْخُذُ مِيرَاثَهُ مِنْ الْمَيِّتَةِ قَبْلَهُ وَقَدْ يَعْلَمُ ذَلِكَ بِخَبَرِهِ أَوْ بِخَبَرِ غَيْرِهِ مِمَّنْ يُصَدِّقُهُ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّهُ يُوقَفُ لَهُ مِيرَاثُ زَوْجٍ مِنْ الْمَيِّتَةِ قَبْلَهُ وَلِلْحَيَّةِ مِيرَاثُ امْرَأَةٍ مِنْهُ حَتَّى يَصْطَلِحَا.
مِنْ كِتَابَيْنِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله: لَمَّا كَانَتْ الطَّلْقَةُ الثَّالِثَةُ تُوجِبُ التَّحْرِيمَ كَانَتْ إصَابَةُ زَوْجِ غَيْرِهِ تُوجِبُ التَّحْلِيلَ وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ فِي الطَّلْقَةِ وَلاَ فِي الطَّلْقَتَيْنِ مَا يُوجِبُ التَّحْرِيمَ لَمْ يَكُنْ لِإِصَابَةِ زَوْجِ غَيْرِهِ مَعْنًى يُوجِبُ التَّحْلِيلَ فَنِكَاحُهُ وَتَرْكُهُ سَوَاءٌ وَرَجَعَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ إلَى هَذَا وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ رحمه الله بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلاً سَأَلَهُ عَمَّنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ اثْنَتَيْنِ فَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَتَزَوَّجَتْ غَيْرَهُ فَطَلَّقَهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا وَتَزَوَّجَهَا الْأَوَّلُ قَالَ عُمَرُ: هِيَ عِنْدَهُ عَلَى مَا بَقِيَ مِنْ الطَّلاَقِ.
مِنْ الْجَامِعِ مِنْ كِتَابِ الرَّجْعَةِ مِنْ الطَّلاَقِ وَمِنْ أَحْكَامِ الْقُرْآنِ وَمِنْ كِتَابِ الْعِدَدِ وَمِنْ الْقَدِيمِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْمُطَلَّقَاتِ {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} وَقَالَ تَعَالَى {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} فَدَلَّ سِيَاقُ الْكَلاَمِ عَلَى افْتِرَاقِ البلوغين فَأَحَدُهُمَا مُقَارَبَةُ بُلُوغِ الْأَجَلِ فَلَهُ إمْسَاكُهَا أَوْ تَرْكُهَا فَتُسَرَّحُ بِالطَّلاَقِ الْمُتَقَدِّمِ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ: إذَا قَارَبْت الْبَلَدَ تُرِيدُهُ قَدْ بَلَغْت كَمَا تَقُولُ: إذَا بَلَغْته وَالْبُلُوغُ الْآخَرُ انْقِضَاءُ الْأَجَلِ. قَالَ وَلِلْعَبْدِ مِنْ الرَّجْعَةِ بَعْدَ الْوَاحِدَةِ مَا لِلْحُرِّ بَعْدَ الثِّنْتَيْنِ كَانَتْ تَحْتَهُ حُرَّةً أَوْ أَمَةً، وَالْقَوْلُ فِيمَا يُمْكِنُ فِيهِ انْقِضَاءُ الْعِدَّةِ قَوْلُهَا وَهِيَ مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِ تَحْرِيمَ الْمَبْتُوتَةِ حَتَّى تُرَاجَعَ وَطَلَّقَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ امْرَأَتَهُ وَكَانَتْ طَرِيقُهُ إلَى الْمَسْجِدِ عَلَى مَسْكَنِهَا فَكَانَ يَسْلُكُ الطَّرِيقَ الْأُخْرَى كَرَاهِيَةَ أَنْ يَسْتَأْذِنَ عَلَيْهَا حَتَّى رَاجَعَهَا وَقَالَ عَطَاءٌ: لاَ يَحِلُّ لَهُ مِنْهَا شَيْءٌ أَرَادَ ارْتِجَاعَهَا أَوْ لَمْ يُرِدْهُ مَا لَمْ يُرَاجِعْهَا، وَقَالَ عَطَاءٌ وَعَبْدُ الْكَرِيمِ: لاَ يَرَاهَا فَضْلاً. قَالَ وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ نِكَاحٌ وَلاَ طَلاَقٌ إلَّا بِكَلاَمٍ فَلاَ تَكُونُ الرَّجْعَةُ إلَّا بِكَلاَمٍ وَالْكَلاَمُ بِهَا أَنْ يَقُولَ: قَدْ رَاجَعْتهَا أَوْ ارْتَجَعْتهَا أَوْ رَدَدْتهَا إلَيَّ فَإِنْ جَامَعَهَا يَنْوِي الرَّجْعَةَ أَوْ لاَ يَنْوِيهَا فَهُوَ جِمَاعُ شُبْهَةٍ وَيُعَزَّرَانِ إنْ كَانَا عَالِمَيْنِ وَلَهَا صَدَاقُ مِثْلِهَا وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ، وَلَوْ كَانَتْ اعْتَدَّتْ بِحَيْضَتَيْنِ ثُمَّ أَصَابَهَا ثُمَّ تَكَلَّمَ بِالرَّجْعَةِ قَبْلَ أَنْ تَحِيضَ الثَّالِثَةَ فَهِيَ رَجْعَةٌ وَإِنْ كَانَتْ بَعْدَهَا فَلَيْسَتْ بِرَجْعَةٍ، وَقَدْ انْقَضَتْ مِنْ يَوْمِ طَلَّقَهَا الْعِدَّةُ وَلاَ تَحِلُّ لِغَيْرِهِ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا مِنْ يَوْمِ مَسَّهَا. وَلَوْ أَشْهَدَ عَلَى رَجْعَتِهَا وَلَمْ تَعْلَمْ بِذَلِكَ وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا وَتَزَوَّجَتْ فَنِكَاحُهَا مَفْسُوخٌ وَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا إنْ كَانَ مَسَّهَا الْآخَرُ وَهِيَ زَوْجَةُ الْأَوَّلِ قَالَ عليه الصلاة والسلام {إذَا أَنْكَحَ الْوَلِيَّانِ فَالْأَوَّلُ أَحَقُّ} وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: هِيَ امْرَأَةُ الْأَوَّلِ دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله وَإِنْ لَمْ يُقِمْ بَيِّنَةً لَمْ يُفْسَخْ نِكَاحُ الْآخَرِ، وَلَوْ ارْتَجَعَ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ وَأَقَرَّتْ بِذَلِكَ فَهِيَ رَجْعَةٌ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُشْهِدَ. وَلَوْ قَالَ: قَدْ رَاجَعْتُك قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّتِك وَقَالَتْ بَعْدُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا مَعَ يَمِينِهَا، وَلَوْ خَلاَ بِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا، وَقَالَ قَدْ: أَصَبْتُك وَقَالَتْ: لَمْ يُصِبْنِي فَلاَ رَجْعَةَ، وَلَوْ قَالَتْ: أَصَابَنِي وَأَنْكَرَ فَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ بِإِقْرَارِهَا وَلاَ رَجْعَةَ لَهُ عَلَيْهَا بِإِقْرَارِهِ، وَسَوَاءٌ طَالَ مَقَامُهُ أَوْ لَمْ يُطِلْ لاَ تَجِبُ الْعِدَّةُ وَكَمَالُ الْمَهْرِ إلَّا بِالْمَسِيسِ نَفْسِهِ، وَلَوْ قَالَ: ارْتَجَعْتُك الْيَوْمَ، وَقَالَتْ: انْقَضَتْ عِدَّتِي قَبْلَ رَجْعَتِك صَدَّقْتهَا إلَّا أَنْ تُقِرَّ بَعْدَ ذَلِكَ فَتَكُونُ كَمَنْ جَحَدَ حَقًّا ثُمَّ أَقَرَّ بِهِ. قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله إنْ لَمْ يُقِرَّا جَمِيعًا وَلاَ أَحَدُهُمَا بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ حَتَّى ارْتَجَعَ الزَّوْجُ وَصَارَتْ امْرَأَتَهُ فَلَيْسَ لَهَا عِنْدِي نَقْضُ مَا ثَبَتَ عَلَيْهَا لَهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله وَلَوْ ارْتَدَّتْ بَعْدَ طَلاَقِهِ فَارْتَجَعَهَا مُرْتَدَّةً فِي الْعِدَّةِ لَمْ تَكُنْ رَجْعَةً؛ لِأَنَّهَا تَحْلِيلٌ فِي حَالِ التَّحْرِيمِ. قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله فِيهَا نَظَرٌ وَأَشْبَهُ بِقَوْلِهِ عِنْدِي أَنْ تَكُونَ رَجْعَةً مَوْقُوفَةً فَإِنْ جَمَعَهُمَا الْإِسْلاَمُ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ عَلِمْنَا أَنَّهُ رَجْعَةٌ وَإِنْ لَمْ يَجْمَعْهُمَا الْإِسْلاَمُ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ عَلِمْنَا أَنَّهُ لاَ رَجْعَةَ؛ لِأَنَّ الْفَسْخَ مِنْ حِينِ ارْتَدَّتْ كَمَا نَقُولُ فِي الطَّلاَقِ إذَا طَلَّقَهَا مُرْتَدَّةً أَوْ وَثَنِيَّةً فَجَمَعَهُمَا الْإِسْلاَمُ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ عَلِمْنَا أَنَّ الطَّلاَقَ كَانَ وَاقِعًا وَكَانَتْ الْعِدَّةُ مِنْ حِينِ وَقَعَ الطَّلاَقُ وَإِنْ لَمْ يَجْمَعْهُمَا الْإِسْلاَمُ فِي الْعِدَّةِ بَطَلَ الطَّلاَقُ وَكَانَتْ الْعِدَّةُ مِنْ حِينِ أَسْلَمَ مُتَقَدِّمَ الْإِسْلاَمِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي الْمُطَلَّقَةِ الطَّلْقَةَ الثَّالِثَةَ {فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} {وَشَكَتْ الْمَرْأَةُ الَّتِي طَلَّقَهَا رِفَاعَةُ ثَلاَثًا زَوْجَهَا بَعْدَهُ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: إنَّمَا مَعَهُ مِثْلُ هُدْبَةِ الثَّوْبِ فَقَالَ أَتُرِيدِينَ أَنْ تَرْجِعِي إلَى رِفَاعَةَ؟ لاَ حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَك}. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله فَإِذَا أَصَابَهَا بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ فَغَيَّبَ الْحَشَفَةَ فِي فَرْجِهَا فَقَدْ ذَاقَا الْعُسَيْلَةَ وَسَوَاءٌ قَوِيُّ الْجِمَاعِ وَضَعِيفُهُ لاَ يُدْخِلُهُ إلَّا بِيَدِهِ أَوْ بِيَدِهَا أَوْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ صَبِيٍّ مُرَاهِقٍ أَوْ مَجْبُوبٍ بَقِيَ لَهُ قَدْرُ مَا يُغَيِّبُهُ تَغْيِيبَ غَيْرِ الْخَصِيِّ وَسَوَاءٌ كُلُّ زَوْجٍ وَزَوْجَةٍ، وَلَوْ أَصَابَهَا صَائِمَةً أَوْ مُحْرِمَةً أَسَاءَ وَقَدْ أَحَلَّهَا، وَلَوْ أَصَابَ الذِّمِّيَّةَ زَوْجٌ ذِمِّيٌّ بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ أَحَلَّهَا لِلْمُسْلِمِ؛ لِأَنَّهُ زَوْجٌ {وَرَجَمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَهُودِيَّيْنِ زَنَيَا} وَلاَ يَرْجُمُ إلَّا مُحْصَنًا قَالَ: وَلَوْ كَانَتْ الْإِصَابَةُ بَعْدَ رِدَّةِ أَحَدِهِمَا ثُمَّ رَجَعَ الْمُرْتَدُّ مِنْهُمَا لَمْ تُحِلَّهَا الْإِصَابَةُ؛ لِأَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ فِي تِلْكَ الْحَالِ. قَالَ الْمُزَنِيّ لاَ مَعْنَى لِرُجُوعِ الْمُرْتَدِّ مِنْهُمَا عِنْدَهُ فَيَصِحُّ النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا إلَّا فِي الَّتِي قَدْ أَحَلَّتْهَا إصَابَتُهُ إيَّاهَا لِلزَّوْجِ قَبْلَهُ فَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا فَقَدْ انْفَسَخَ النِّكَاحُ فِي قَوْلِهِ وَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا بِالْإِصَابَةِ وَإِنْ كَانَتْ مَدْخُولاً فَقَدْ أَحَلَّهَا إصَابَتُهُ إيَّاهَا قَبْلَ الرِّدَّةِ فَكَيْفَ لاَ يُحِلُّهَا؟ فَتَفَهَّمْ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله وَلَوْ ذَكَرْت أَنَّهَا نُكِحَتْ نِكَاحًا صَحِيحًا وَأُصِيبَتْ وَلاَ نَعْلَمُ حَلَّتْ لَهُ وَإِنْ وَقَعَ فِي قَلْبِهِ أَنَّهَا كَاذِبَةٌ فَالْوَرَعُ أَنْ لاَ يَفْعَلَ.
مُخْتَصَرٌ مِنْ الْجَامِعِ مِنْ كِتَابِ الْإِيلاَءِ قَدِيمٍ وَجَدِيدٍ وَالْإِمْلاَءِ وَمَا دَخَلَ فِيهِ مِنْ الْأَمَالِي عَلَى مَسَائِلِ مَالِكٍ وَمِنْ مَسَائِلِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ إبَاحَةِ الطَّلاَقِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} الآيَةَ. فَفِي ذَلِكَ دَلاَلَةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ عَلَى أَنْ لاَ سَبِيلَ عَلَى الْمُولِي لِامْرَأَتِهِ حَتَّى يَمْضِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ كَمَا لَوْ ابْتَاعَ بَيْعًا أَوْ ضَمِنَ شَيْئًا إلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ سَبِيلٌ حَتَّى يَمْضِيَ الْأَجَلُ، وَقَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ أَدْرَكْت بِضْعَةَ عَشَرَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كُلُّهُمْ يُوقِفُ الْمُولِيَ وَكَانَ عَلِيٌّ وَعُثْمَانُ وَعَائِشَةُ وَابْنُ عُمَرَ وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ يُوقَفُونَ الْمُولِيَ. قَالَ وَلِيَ الْمُولِي مَنْ حَلَفَ بِيَمِينٍ يَلْزَمُهُ بِهَا كَفَّارَةٌ وَمَنْ أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ شَيْئًا يَجِبُ عَلَيْهِ إذَا أَوْجَبَهُ فَأَوْجَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ إنْ جَامَعَ امْرَأَتَهُ فَهُوَ فِي مَعْنَى الْمُولِي وَلاَ يَلْزَمُهُ الْإِيلاَءُ حَتَّى يُصَرِّحَ بِأَحَدِ أَسْمَاءِ الْجِمَاعِ الَّتِي هِيَ صَرِيحَةٌ وَذَلِكَ قَوْلُهُ وَاَللَّهِ لاَ أَنِيكُك وَلاَ أُغَيِّبُ ذَكَرِي فِي فَرْجِك أَوْ لاَ أُدْخِلُهُ فِي فَرْجِك أَوْ لاَ أُجَامِعُك أَوْ يَقُولُ: إنْ كَانَتْ عَذْرَاءَ وَاَللَّهِ لاَ أَفْتَضُّك أَوْ مَا فِي مِثْلِ هَذَا الْمَعْنَى فَهُوَ مُولٍ فِي الْحُكْمِ وَقَالَ فِي الْقَدِيمِ لَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ لاَ أَطَؤُك أَوْ لاَ أَمَسُّك أَوْ لاَ أُجَامِعُك فَهَذَا كُلُّهُ بَابٌ وَاحِدٌ كُلَّمَا كَانَ لِلْجِمَاعِ اسْمٌ كَنَّى بِهِ عَنْ نَفْسِ الْجِمَاعِ فَهُوَ وَاحِدٌ وَهُوَ مُولٍ فِي الْحُكْمِ قُلْنَا: مَا لَمْ يَنْوِهِ فِي لاَ أَمَسُّك فِي الْحُكْمِ فِي الْقَدِيمِ وَنَوَاهُ فِي الْجَدِيدِ وَأَجْمَعَ قَوْلَهُ فِيهِمَا بِحَلِفِهِ لاَ أُجَامِعُك أَنَّهُ مُولٍ وَإِنْ احْتَمَلَ أُجَامِعُك بِبَدَنِي وَهَذَا أَشْبَهُ بِمَعَانِي الْعِلْمِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله وَلَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ لاَ أُبَاشِرُك أَوْ لاَ أُبَاضِعُكِ أَوْ لاَ أَمَسُّك أَوْ مَا أَشْبَهَ هَذَا فَإِنْ أَرَادَ جِمَاعًا فَهُوَ مُولٍ وَإِنْ لَمْ يُرِدْهُ فَغَيْرُ مُولٍ فِي الْحُكْمِ، وَلَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ لاَ أُجَامِعُك فِي دُبُرِك فَهُوَ مُحْسِنٌ، وَلَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ لاَ يَجْمَعُ رَأْسِي وَرَأْسَك شَيْءٌ أَوْ لاََسُوأَنَّكِ أَوْ لَتَطُولَن غَيْبَتِي عَنْك أَوْ مَا أَشْبَهَ هَذَا فَلاَ يَكُونُ بِذَلِكَ مُولِيًا إلَّا أَنْ يُرِيدَ جِمَاعًا، وَلَوْ قَالَ: وَاَللَّهُ لَيَطُولَن تَرْكِي لِجِمَاعِك فَإِنْ عَنِيَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَهُوَ مُولٍ، وَلَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ لاَ أَقْرَبُك خَمْسَةَ أَشْهُرٍ، ثُمَّ قَالَ: إذَا مَضَتْ خَمْسَةُ أَشْهُرٍ فَوَاَللَّهِ لاَ أَقْرَبُك سَنَةً فَوَقَفَ فِي الْأُولَى فَطَلَّقَ ثُمَّ ارْتَجَعَ فَإِذَا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ بَعْدَ رَجْعَتِهِ وَبَعْدَ خَمْسَةِ أَشْهُرٍ وَقَفَ فَإِنْ كَانَتْ رَجْعَتُهُ فِي وَقْتٍ لَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ فِيهِ مِنْ السَّنَةِ إلَّا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ أَوْ أَقَلُّ لَمْ يُوقَفْ؛ لِأَنِّي أَجْعَلُ لَهُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ يَحِلُّ لَهُ الْفَرْجُ. وَإِنْ قَالَ: إنْ قَرُبْتُك فَعَلَيَّ صَوْمُ هَذَا الشَّهْرِ كُلِّهِ لَمْ يَكُنْ مُولِيًا كَمَا لَوْ قَالَ: فَعَلَيَّ صَوْمُ يَوْمِ أَمْسِ وَلَوْ أَصَابَهَا وَقَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ الشَّهْرِ شَيْءٌ كَانَتْ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ أَوْ صَوْمُ مَا بَقِيَ، وَلَوْ قَالَ: إنْ قَرُبْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلاَثًا وَقَفَ فَإِنْ فَاءَ وَغَابَتْ الْحَشَفَةُ طَلُقَتْ ثَلاَثًا فَإِذَا أَخْرَجَهُ ثُمَّ أَدْخَلَهُ بَعْدُ فَعَلَيْهِ مَهْرُ مِثْلِهَا، وَإِنْ أَبَى أَنْ يَفِيءَ طُلِّقَ عَلَيْهِ وَاحِدَةٌ فَإِنْ رَاجَعَ فَلَهُ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ رَاجَعَ ثُمَّ هَكَذَا حَتَّى يَنْقَضِيَ طَلاَقُ ذَلِكَ الْمِلْكِ ثَلاَثًا، وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ يُرِيدُ تَحْرِيمَهَا بِلاَ طَلاَقٍ أَوْ الْيَمِينَ بِتَحْرِيمِهَا فَلَيْسَ بِمُولٍ؛ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ شَيْءٌ حُكِمَ فِيهِ بِكَفَّارَةٍ إذَا لَمْ يَقَعْ بِهِ طَلاَقٌ كَمَا لاَ يَكُونُ الْإِيلاَءُ وَالظِّهَارُ طَلاَقًا وَإِنْ أُرِيدَ بِهِمَا طَلاَقٌ؛ لِأَنَّهُ حُكِمَ فِيهِمَا بِكَفَّارَةٍ. وَلَوْ قَالَ: إنْ قَرُبْتُك فَغُلاَمِي حُرٌّ عَنْ ظِهَارِي إنْ تَظَاهَرْت لَمْ يَكُنْ مُولِيًا حَتَّى يُظَاهِرَ، وَلَوْ قَالَ: إنْ قَرُبْتُك فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُعْتِقَ فُلاَنًا عَنْ ظِهَارِي وَهُوَ مُتَظَاهِرٌ لَمْ يَكُنْ مُولِيًا وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُعْتِقَ فُلاَنًا عَنْ ظِهَارِهِ وَعَلَيْهِ فِيهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ. قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله أَشْبَهُ بِقَوْلِهِ أَنْ لاَ يَكُونَ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ أَلاَ تَرَى أَنَّهُ يَقُولُ: لَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ يَوْمَ الْخَمِيسِ عَنْ الْيَوْمِ الَّذِي عَلَيَّ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ صَوْمُ يَوْمِ الْخَمِيسِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْذِرْ فِيهِ بِشَيْءٍ يَلْزَمُهُ وَإِنَّ صَوْمَ يَوْمٍ لاَزِمٌ فَأَيُّ يَوْمٍ صَامَهُ أَجْزَأَ عَنْهُ وَلَمْ يَجْعَلْ لِلنَّذْرِ فِي ذَلِكَ مَعْنًى يَلْزَمُهُ بِهِ كَفَّارَةٌ فَتَفَهَّمْ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ آلَى ثُمَّ قَالَ لِأُخْرَى قَدْ أَشْرَكْتُك مَعَهَا فِي الْإِيلاَءِ لَمْ تَكُنْ شَرِيكَتَهَا؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ لَزِمَتْهُ لِلْأُولَى وَالْيَمِينُ لاَ يُشْتَرَكُ فِيهَا، وَلَوْ قَالَ: إنْ قَرُبْتُك فَأَنْتِ زَانِيَةٌ فَلَيْسَ بِمُولٍ وَإِنْ قَرُبَهَا فَلَيْسَ بِقَاذِفٍ إلَّا بِقَذْفٍ صَرِيحٍ، وَلَوْ قَالَ: لاَ أُصِيبُك سَنَةً إلَّا مَرَّةً لَمْ يَكُنْ مُولِيًا فَإِنْ وَطِئَ وَقَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ السَّنَةِ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَهُوَ مُولٍ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ فَلَيْسَ بِمُولٍ، وَلَوْ قَالَ: إنْ أَصَبْتُك فَوَاَللَّهِ لاَ أَصَبْتُك لَمْ يَكُنْ مُولِيًا حَتَّى يُصِيبَهَا فَيَكُونُ مُولِيًا، وَلَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ لاَ أَقْرَبُك إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ حَتَّى يَخْرُجَ الدَّجَّالُ أَوْ حَتَّى يَنْزِلَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ أَوْ حَتَّى يَقْدَمَ فُلاَنٌ أَوْ يَمُوتَ أَوْ تَمُوتِي أَوْ تَفْطِمِي ابْنَك فَإِنْ مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ مِمَّا حَلَفَ عَلَيْهِ كَانَ مُولِيًا، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: حَتَّى تَفْطِمِي وَلَدَك لَمْ يَكُنْ مُولِيًا؛ لِأَنَّهَا قَدْ تَفْطِمُهُ قَبْلَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ إلَّا أَنْ يُرِيدَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ. قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله هَذَا أَوْلَى بِقَوْلِهِ لِأَنَّ أَصْلَهُ أَنَّ كُلَّ يَمِينٍ مَنَعَتْ الْجِمَاعَ بِكُلِّ حَالٍ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ إلَّا بِأَنْ يَحْنَثَ فَهُوَ مُولٍ وَقَوْلُهُ حَتَّى يَشَاءَ فُلاَنٌ فَلَيْسَ بِمُولٍ حَتَّى يَمُوتَ فُلاَنٌ. قَالَ الْمُزَنِيّ وَهَذَا مِثْلُ قَوْلِهِ حَتَّى يَقْدَمَ فُلاَنٌ أَوْ يَمُوتَ سَوَاءٌ فِي الْقِيَاسِ وَكَذَلِكَ حَتَّى تَفْطِمِي وَلَدَك إذَا أَمْكَنَ الْفِطَامُ فِي أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، وَلَوْ قَالَ: حَتَّى تَحْبَلِي فَلَيْسَ بِمُولٍ. قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله هَذَا مِثْلُ قَوْلِهِ حَتَّى يَقْدَمَ فُلاَنٌ أَوْ يَشَاءَ فُلاَنٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَقْدَمُ وَيَشَاءُ قَبْلَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَلاَ يَكُونُ مُولِيًا. قَالَ الْمُزَنِيّ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ حَتَّى تَمُوتِي فَهُوَ مُولٍ بِكُلِّ حَالٍ كَقَوْلِهِ حَتَّى أَمُوتَ أَنَا وَهُوَ كَقَوْلِهِ وَاَللَّهِ لاَ أَطَؤُك أَبَدًا فَهُوَ مُولٍ مِنْ حِينِ حَلَفَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى، وَلَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ لاَ أَقْرَبك إنْ شِئْت فَشَاءَتْ فِي الْمَجْلِسِ فَهُوَ مُولٍ، قَالَ: وَالْإِيلاَءُ فِي الْغَضَبِ وَالرِّضَا سَوَاءٌ لِمَا تَكُونُ الْيَمِينُ فِي الْغَضَبِ وَالرِّضَا سَوَاءً وَقَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى الْإِيلاَءَ مُطْلَقًا، وَلَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ لاَ أَقْرَبُك حَتَّى أُخْرِجَك مِنْ هَذَا الْبَلَدِ لَمْ يَكُنْ مُولِيًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يُخْرِجَهَا قَبْلَ انْقِضَاءِ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ وَلاَ يُجْبَرُ عَلَى إخْرَاجِهَا.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى، وَلَوْ قَالَ لِأَرْبَعِ نِسْوَةٍ لَهُ: وَاَللَّهِ لاَ أَقْرَبُكُنَّ فَهُوَ مُولٍ مِنْهُنَّ كُلِّهِنَّ يُوقِفُ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ فَإِذَا أَصَابَ وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ خَرَجَتَا مِنْ حُكْمِ الْإِيلاَءِ وَيُوقِفُ لِلْبَاقِيَتَيْنِ حَتَّى يَفِيءَ أَوْ يُطَلِّقَ وَلاَ حِنْثَ عَلَيْهِ حَتَّى يُصِيبَ الْأَرْبَعَ اللَّائِي حَلَفَ عَلَيْهِنَّ كُلِّهِنَّ، وَلَوْ طَلَّقَ مِنْهُنَّ ثَلاَثًا كَانَ مُولِيًا مِنْ الْبَاقِيَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ جَامَعَهَا وَاَللَّائِي طَلَّقَ حَنِثَ، وَلَوْ مَاتَتْ إحْدَاهُنَّ سَقَطَ عَنْهُ الْإِيلاَءُ؛ لِأَنَّهُ يُجَامِعُ الْبَوَاقِيَ وَلاَ يَحْنَثُ. قَالَ الْمُزَنِيّ أَصْلُ قَوْلِهِ أَنَّ كُلَّ يَمِينٍ مَنَعَتْ الْجِمَاعَ بِكُلِّ حَالٍ فَهُوَ بِهَا مُولٍ، وَقَدْ زَعَمَ أَنَّهُ مُولٍ مِنْ الرَّابِعَةِ الْبَاقِيَةِ، وَلَوْ وَطِئَهَا وَحْدَهَا مَا حَنِثَ فَكَيْفَ يَكُونُ مِنْهَا مُولِيًا؟ ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: لَوْ مَاتَتْ إحْدَاهُنَّ سَقَطَ عَنْهُ الْإِيلاَءُ وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ لاَ إيلاَءَ عَلَيْهِ حَتَّى يَطَأَ ثَلاَثًا يَكُونُ مُولِيًا مِنْ الرَّابِعَةِ؛ لِأَنَّهُ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَطَأَهَا إلَّا حَنِثَ وَهَذَا بِقَوْلِهِ أَوْلَى. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَلَوْ كَانَ قَالَ: وَاَللَّهِ لاَ أَقْرَبُ وَاحِدَةً مِنْكُنَّ وَهُوَ يُرِيدُهُنَّ كُلَّهُنَّ فَهُوَ مُولٍ يُوقِفُ لَهُنَّ فَأَيُّ وَاحِدَةٍ مَا أَصَابَ مِنْهُنَّ خَرَجَ مِنْ الْإِيلاَءِ فِي الْبَوَاقِي؛ لِأَنَّهُ حَنِثَ بِإِصَابَةِ الْوَاحِدَةِ فَإِذَا حَنِثَ مَرَّةً لَمْ يَعُدْ الْحِنْثُ بِإِيلاَءِ ثَانِيَةٍ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَلاَ تَعْرِضُ لِلْمُولِي وَلاَ لِامْرَأَتِهِ حَتَّى تَطْلُبَ الْوَقْفَ بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِمَّا أَنْ يَفِيءَ وَإِمَّا أَنْ يُطَلِّقَ، وَلَوْ عَفَتْ ذَلِكَ ثُمَّ طَلَبَتْهُ كَانَ ذَلِكَ لَهَا؛ لِأَنَّهَا تَرَكَتْ مَا لَمْ يَجِبْ لَهَا فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ وَلَيْسَ ذَلِكَ لِسَيِّدِ الْأَمَةِ وَلاَ لِوَلِيِّ مَعْتُوهَةٍ، وَمَنْ حَلَفَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَلاَ إيلاَءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا تَنْقَضِي وَهُوَ خَارِجٌ مِنْ الْيَمِينِ، وَلَوْ حَلَفَ بِطَلاَقِ امْرَأَتِهِ لاَ يَقْرَبُ امْرَأَةً لَهُ أُخْرَى ثُمَّ بَانَتْ مِنْهُ ثُمَّ نَكَحَهَا فَهُوَ مُولٍ. قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ لَوْ آلَى مِنْهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا فَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا ثُمَّ نَكَحَهَا نِكَاحًا جَدِيدًا وَسَقَطَ عَنْهُ حُكْمُ الْإِيلاَءِ وَإِنَّمَا يَسْقُطُ عَنْهُ حُكْمُ الْإِيلاَءِ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ فِي حَالٍ لَوْ طَلَّقَهَا لَمْ يَقَعْ طَلاَقُهُ عَلَيْهَا، وَلَوْ جَازَ أَنْ تَبِينَ امْرَأَةُ الْمُولِي حَتَّى تَصِيرَ أَمَلَكَ لِنَفْسِهَا مِنْهُ ثُمَّ يَنْكِحُهَا فَيَعُودُ حُكْمُ الْإِيلاَءِ جَازَ هَذَا بَعْدَ ثَلاَثٍ وَزَوْجٍ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ قَائِمَةٌ بِعَيْنِهَا فِي امْرَأَةٍ بِعَيْنِهَا يُكَفِّرُ إنْ أَصَابَهَا كَمَا كَانَتْ قَائِمَةً قَبْلَ التَّزْوِيجِ وَهَكَذَا الظِّهَارُ مِثْلُ الْإِيلاَءِ، وَلَوْ آلَى مِنْ امْرَأَتِهِ الْأَمَةِ ثُمَّ اشْتَرَاهَا فَخَرَجَتْ مِنْ مِلْكِهِ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا أَوْ الْعَبْدُ مِنْ حُرَّةٍ ثُمَّ اشْتَرَتْهُ فَتَزَوَّجَتْهُ لَمْ يَعُدْ الْإِيلاَءُ لِانْفِسَاخِ النِّكَاحِ. قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله هَذَا كُلُّهُ أَشْبَهُ بِأَصْلِهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ نِكَاحٍ أَوْ مِلْكٍ حَدَثَ لَمْ يُعْمَلْ فِيهِ إلَّا قَوْلٌ وَإِيلاَءٌ وَظِهَارٌ يَحْدُثُ، فَالْقِيَاسُ أَنَّ كُلَّ حُكْمٍ يَكُونُ فِي مِلْكٍ إذَا زَالَ ذَلِكَ الْمِلْكُ زَالَ مَا فِيهِ مِنْ الْحُكْمِ فَإِذَا زَالَ نِكَاحُهُ فَبَانَتْ مِنْهُ امْرَأَتُهُ زَالَ حُكْمُ الْإِيلاَءِ عَنْهُ فِي مَعْنَاهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَالْإِيلاَءُ يَمِينٌ لِوَقْتٍ فَالْحُرُّ وَالْعَبْدُ فِيهَا سَوَاءٌ أَلاَ تَرَى أَنَّ أَجَلَ الْعَبْدِ وَأَجَلَ الْحُرِّ الْعِنِّينِ سَنَةٌ، وَلَوْ قَالَتْ: قَدْ انْقَضَتْ الْأَرْبَعَةُ الْأَشْهُرُ، وَقَالَ: لَمْ تَنْقَضِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ وَعَلَيْهَا الْبَيِّنَةُ، وَلَوْ آلَى مِنْ مُطَلَّقَةٍ يَمْلِكُ رَجْعَتَهَا كَانَ مُولِيًا مِنْ حِينِ يَرْتَجِعُهَا وَلَوْ لَمْ يَمْلِكْ رَجْعَتَهَا لَمْ يَكُنْ مُولِيًا وَالْإِيلاَءُ مِنْ كُلِّ زَوْجَةٍ حُرَّةٍ وَأَمَةٍ وَمُسْلِمَةٍ وَذِمِّيَّةٍ سَوَاءٌ.
مِنْ كِتَابِ الْإِيلاَءِ وَمِنْ الْإِمْلاَءِ عَلَى مَسَائِلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَالْإِمْلاَءِ عَلَى مَسَائِلِ مَالِكٍ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى إذَا مَضَتْ الْأَرْبَعَةُ الْأَشْهُرُ لِلْمُولِي وَقَفَ وَقِيلَ لَهُ: إنْ فِئْت وَإِلَّا فَطَلِّقْ وَالْفَيْئَةُ الْجِمَاعُ إلَّا مِنْ عُذْرٍ فَيَفِيءُ بِاللِّسَانِ مَا كَانَ الْعُذْرُ قَائِمًا فَيَخْرُجُ بِذَلِكَ مِنْ الضِّرَارِ، وَلَوْ جَامَعَ فِي الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ خَرَجَ مِنْ حُكْمِ الْإِيلاَءِ وَكَفَّرَ عَنْ يَمِينِهِ، وَلَوْ قَالَ: أَجِّلْنِي فِي الْجِمَاعِ لَمْ أُؤَجِّلُهُ أَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ فَإِنْ جَامَعَ خَرَجَ مِنْ حُكْمِ الْإِيلاَءِ وَعَلَيْهِ الْحِنْثُ فِي يَمِينِهِ وَلاَ يَبِينُ أَنْ أُؤَجِّلَهُ ثَلاَثًا، وَلَوْ قَالَهُ قَائِلٌ كَانَ مَذْهَبًا فَإِنْ طَلَّقَ وَإِلَّا طَلَّقَ عَلَيْهِ السُّلْطَانُ وَاحِدَةً. قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله تعالى قَدْ قَطَعَ بِأَنَّهُ يُجْبَرُ مَكَانَهُ فَإِمَّا أَنْ يَفِيءَ وَإِمَّا أَنْ يُطَلِّقَ وَهَذَا بِالْقِيَاسِ أَوْلَى، وَالتَّأْقِيتُ لاَ يَجِبُ إلَّا بِخَبَرٍ لاَزِمٍ وَكَذَا قَالَ فِي اسْتِتَابَةِ الْمُرْتَدِّ مَكَانَهُ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ فَكَانَ أَصَحَّ مِنْ قَوْلِهِ ثَلاَثًا. قَالَ وَإِنَّمَا قُلْت لِلسُّلْطَانِ أَنْ يُطَلِّقَ عَلَيْهِ وَاحِدَةً؛ لِأَنَّهُ كَانَ عَلَى الْمُولِي أَنْ يَفِيءَ أَوْ يُطَلِّقَ إذَا كَانَ لاَ يَقْدِرُ عَلَى الْفَيْئَةِ إلَّا بِهِ فَإِذَا امْتَنَعَ قَدَرَ عَلَى الطَّلاَقِ عَنْهُ وَلَزِمَهُ حُكْمُ الطَّلاَقِ كَمَا يَأْخُذُ مِنْهُ كُلَّ شَيْءٍ وَجَبَ عَلَيْهِ إذَا امْتَنَعَ مِنْ أَنْ يُعْطِيَهُ وَقَالَ فِي الْقَدِيم فِيهَا قَوْلاَنِ أَحَدُهُمَا وَهُوَ أَحَبُّهُمَا إلَيْهِ وَالثَّانِي يُضَيِّقُ عَلَيْهِ بِالْحَبْسِ حَتَّى يَفِيءَ أَوْ يُطَلِّقَ؛ لِأَنَّ الطَّلاَقَ لاَ يَكُونُ إلَّا مِنْهُ. قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله تعالى لَيْسَ الثَّانِي بِشَيْءٍ وَمَا عَلِمْت أَحَدًا قَالَهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله وَيُقَالُ لِلَّذِي فَاءَ بِلِسَانِهِ مِنْ عُذْرٍ إذَا أَمْكَنَك أَنْ تُصِيبَهَا وَقَفْنَاك فَإِنْ أَصَبْتهَا وَإِلَّا فَرَّقْنَا بَيْنَك وَبَيْنَهَا، وَلَوْ كَانَتْ حَائِضًا أَوْ أَحْرَمْت مَكَانَهَا بِإِذْنِهِ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَلَمْ يَأْمُرْهَا بِإِحْلاَلٍ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ سَبِيلٌ حَتَّى يُمَكَّنَ جِمَاعَهَا أَوْ تُحِلَّ إصَابَتُهَا. قَالَ وَإِذَا كَانَ الْمَنْعُ مِنْ قِبَلِهِ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَفِيءَ فِي جِمَاعٍ أَوْ فَيْءٍ مَعْذُورٍ وَفَيْءُ الْحَبْسِ بِاللِّسَانِ وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ إذَا آلَى فَحَبَسَ اسْتَوْقَفَتْ بِهِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ مُتَتَابِعَةً. قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله الْحَبْسُ وَالْمَرَضُ عِنْدِي سَوَاءٌ؛ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ بِهِمَا فَإِذَا حُبِسَتْ عَلَيْهِ فِي الْمَرَضِ وَكَانَ يَعْجِزُ عَنْ الْجِمَاعِ بِكُلِّ حَالٍ أُجِّلَ الْمُولِي كَانَ الْمَحْبُوسُ الَّذِي يُمْكِنُهُ أَنْ تَأْتِيَهُ فِي حَبْسِهِ فَيُصِيبُهَا بِذَلِكَ أَوْلَى وَقَالَ فِي مَوْضِعَيْنِ، وَلَوْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا مَسِيرَةُ أَشْهُرٍ وَطَلَبَهُ وَكِيلُهَا بِمَا يَلْزَمُهُ لَهَا أَمَرْنَاهُ أَنْ يَفِيءَ بِلِسَانِهِ وَالْمَسِيرُ إلَيْهَا كَمَا يُمْكِنُهُ فَإِنْ فَعَلَ وَإِلَّا طَلَّقَ عَلَيْهِ. قَالَ: وَلَوْ غَلَبَ عَلَى عَقْلِهِ لَمْ يُوقِفْ حَتَّى يَرْجِعَ إلَيْهِ عَقْلُهُ فَإِنْ عَقَلَ بَعْدَ الْأَرْبَعَةِ وَقَفَ مَكَانَهُ فَإِمَّا أَنْ يَفِيءَ وَإِمَّا أَنْ يُطَلِّقَ. قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله هَذَا يُؤَكِّدُ أَنْ يَحْسِبَ عَلَيْهِ مُدَّةَ حَبْسِهِ وَمَنْعَ تَأَخُّرِهِ يَوْمًا أَوْ ثَلاَثًا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله وَلَوْ أَحْرَمَ قِيلَ لَهُ: إنْ وَطِئْت فَسَدَ إحْرَامُك وَإِنْ لَمْ تَفِئْ طُلِّقَ عَلَيْك. وَلَوْ آلَى ثُمَّ تَظَاهَرَ أَوْ تَظَاهَرَ ثُمَّ آلَى وَهُوَ يَجِدُ الْكَفَّارَةَ قِيلَ: أَنْتَ أَدْخَلْت الْمَنْعَ عَلَى نَفْسِك فَإِنْ فِئْت فَأَنْتَ عَاصٍ وَإِنْ لَمْ تَفِئْ طُلِّقَ عَلَيْك. وَلَوْ قَالَتْ: لَمْ يُصِبْنِي، وَقَالَ: أَصَبْتهَا فَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّهَا تَدَّعِي مَا بِهِ الْفُرْقَةُ الَّتِي هِيَ إلَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ بِكْرًا أُرِيهَا النِّسَاءُ فَإِنْ قُلْنَ: هِيَ بِكْرٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا مَعَ يَمِينِهَا. قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله تعالى إنَّمَا أُحَلِّفُهَا؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ لَمْ يُبَالِغْ فَرَجَعْت الْعُذْرَةُ بِحَالِهَا. قَالَ: وَلَوْ ارْتَدَّا أَوْ أَحَدُهُمَا فِي الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ أَوْ خَالَعَهَا ثُمَّ رَاجَعَهَا أَوْ رَجَعَ مَنْ ارْتَدَّ مِنْهُمَا فِي الْعِدَّةِ اسْتَأْنَفَ فِي هَذِهِ الْحَالاَتِ كُلِّهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ حَلَّ لَهُ الْفَرْجُ وَلاَ يُشْبِهُ هَذَا الْبَابُ الْأَوَّلَ؛ لِأَنَّهَا فِي هَذَا الْبَابِ كَانَتْ مُحَرَّمَةً كَالْأَجْنَبِيَّةِ الشَّعْرِ وَالنَّظَرِ وَالْحِسِّ وَفِي تِلْكَ الْأَحْوَالِ لَمْ تَكُنْ مُحَرَّمَةً بِشَيْءٍ غَيْرِ الْجِمَاعِ. قَالَ الْمُزَنِيّ الْقِيَاسُ عِنْدِي أَنَّ مَا حَلَّ لَهُ بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ امْرَأَتِهِ وَالْإِيلاَءُ يَلْزَمُهُ بِمَعْنَاهُ، وَأَمَّا مَنْ لَمْ تَحِلَّ لَهُ بِعَقْدِهِ الْأَوَّلِ حَتَّى يُحْدِثَ نِكَاحًا جَدِيدًا فَحُكْمُهُ مِثْلُ الْأَيِّمِ تَزَوَّجُ فَلاَ حُكْمَ لِلْإِيلاَءِ فِي مَعْنَاهُ الْمُشَبَّهِ لِأَصْلِهِ. قَالَ وَأَقَلُّ مَا يَكُونُ بِهِ الْمُولِي فَائِتًا فِي الثَّيِّبِ أَنْ يُغَيِّبَ الْحَشَفَةَ وَفِي الْبِكْرِ ذَهَابُ الْعُذْرَةِ فَإِنْ قَالَ: لاَ أَقْدِرُ عَلَى افْتِضَاضِهَا أُجِّلَ أَجَلَ الْعِنِّينِ، وَلَوْ جَامَعَهَا مُحَرَّمَةً أَوْ حَائِضًا أَوْ هُوَ مُحَرَّمٌ أَوْ صَائِمٌ خَرَجَ مِنْ حُكْمِ الْإِيلاَءِ. وَلَوْ آلَى ثُمَّ جُنَّ فَأَصَابَهَا فِي جُنُونِهِ أَوْ جُنُونِهَا خَرَجَ مِنْ الْإِيلاَءِ وَكَفَّرَ إذَا أَصَابَهَا وَهُوَ صَحِيحٌ وَلَمْ يُكَفِّرْ إذَا أَصَابَهَا وَهُوَ مَجْنُونٌ؛ لِأَنَّ الْقَلَمَ عَنْهُ مَرْفُوعٌ فِي تِلْكَ الْحَالِ. قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله جَعَلَ فِعْلَ الْمَجْنُونِ فِي جُنُونِهِ كَالصَّحِيحِ فِي خُرُوجِهِ مِنْ الْإِيلاَءِ. قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله إذَا خَرَجَ مِنْ الْإِيلاَءِ فِي جُنُونِهِ بِالْإِصَابَةِ فَكَيْفَ لاَ يُلْزِمُهُ الْكَفَّارَةَ، وَلَوْ لَمْ يُلْزِمْهُ الْكَفَّارَةَ مَا كَانَ حَانِثًا وَإِذَا لَمْ يَكُنْ حَانِثًا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْإِيلاَءِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَالذِّمِّيُّ كَالْمُسْلِمِ فِيمَا يَلْزَمُهُ مِنْ الْإِيلاَءِ إذَا حَاكَمَ إلَيْنَا وَحُكْمُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْعِبَادِ وَاحِدٌ. قَالَ فِي كِتَابِ الْجِزْيَةِ لَوْ جَاءَتْ امْرَأَةٌ تَسْتَعْدِي بِأَنَّ زَوْجَهَا طَلَّقَهَا أَوْ آلَى مِنْهَا أَوْ تَظَاهَرَ حَكَمْت عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ حُكْمِي عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَلَوْ جَاءَ رَجُلٌ مِنْهُمْ يَطْلُبُ حَقًّا كَانَ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَحْكُمَ عَلَى الْمَطْلُوبِ وَإِنْ لَمْ يَرْضَ بِحُكْمِهِ. قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله هَذَا أَشْبَهُ الْقَوْلَيْنِ بِهِ؛ لِأَنَّ تَأْوِيلَ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عِنْدَهُ {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} أَنْ تَجْرِيَ عَلَيْهِمْ أَحْكَامُ الْإِسْلاَمِ. قَالَ وَإِذَا كَانَ الْعَرَبِيُّ يَتَكَلَّمُ بِأَلْسِنَةِ الْعَجَمِ وَآلَى بِأَيِّ لِسَانٍ كَانَ مِنْهَا فَهُوَ مُولٍ فِي الْحُكْمِ وَإِنْ كَانَ يَتَكَلَّمُ بِأَعْجَمِيَّةٍ فَقَالَ: مَا عَرَفْت مَا قُلْت وَمَا أَرَدْت إيلاَءً فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ. وَلَوْ آلَى ثُمَّ آلَى فَإِنْ حَنِثَ فِي الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ لَمْ يَعُدْ عَلَيْهِ الْإِيلاَءُ وَإِنْ أَرَادَ بِالْيَمِينِ الثَّانِيَةِ الْأُولَى فَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، وَإِنْ أَرَادَ غَيْرَهَا فَأُحِبُّ كَفَّارَتَيْنِ. وَقَدْ زَعَمَ مَنْ خَالَفَنَا فِي الْوَقْفِ أَنَّ الْفَيْئَةَ فِعْلٌ يُحْدِثُهُ بَعْدَ الْيَمِينِ فِي الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ إمَّا بِجِمَاعٍ أَوْ فَيْءٍ مَعْذُورٍ بِلِسَانِهِ وَزَعَمَ أَنَّ عَزِيمَةَ الطَّلاَقِ انْقِضَاءُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ بِغَيْرِ فِعْلٍ يُحْدِثُهُ وَقَدْ ذَكَرَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى بِلاَ فَصْلٍ بَيْنَهُمَا فَقُلْت لَهُ: أَرَأَيْت أَنْ لَوْ عَزَمَ أَنْ لاَ يَفِيءَ فِي الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ أَيَكُونُ طَلاَقًا؟ قَالَ: لاَ حَتَّى يُطَلِّقَ قُلْت فَكَيْفَ يَكُونُ انْقِضَاءُ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ طَلاَقًا بِغَيْرِ عَزْمٍ وَلاَ إحْدَاثِ شَيْءٍ لَمْ يَكُنْ
مِنْ كِتَابِ الْإِيلاَءِ وَكِتَابِ النِّكَاحِ وَإِمْلاَءً عَلَى مَسَائِلِ مَالِكٍ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَإِذَا آلَى الْخَصِيُّ مِنْ امْرَأَتِهِ فَهُوَ كَغَيْرِ الْخَصِيِّ إذَا بَقِيَ مِنْ ذَكَرِهِ مَا يَنَالُ بِهِ مِنْ الْمَرْأَةِ مَا يَبْلُغُ الرَّجُلُ حَتَّى يُغَيِّبَ الْحَشَفَةَ وَإِنْ كَانَ مَجْبُوبًا قِيلَ لَهُ: فِئْ بِلِسَانِك لاَ شَيْءَ عَلَيْك غَيْرُهُ؛ لِأَنَّهُ مِمَّنْ لاَ يُجَامِعُ مِثْلُهُ وَقَالَ فِي الْإِمْلاَءِ وَلاَ إيلاَءَ عَلَى الْمَجْبُوبِ؛ لِأَنَّهُ لاَ يُطِيقُ الْجِمَاعَ أَبَدًا. قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله تعالى إذَا لَمْ تُجْعَلْ لِيَمِينِهِ مَعْنًى يُمْكِنُ أَنْ يَحْنَثَ بِهِ سَقَطَ الْإِيلاَءُ فَهَذَا بِقَوْلِهِ أَوْلَى عِنْدِي. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى، وَلَوْ آلَى صَحِيحًا ثُمَّ جُبَّ ذَكَرُهُ كَانَ لَهَا الْخِيَارُ مَكَانَهَا فِي الْمَقَامِ مَعَهُ أَوْ فِرَاقِهِ.
مِنْ كِتَابَيْ ظِهَارٍ قَدِيمٍ وَجَدِيدٍ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {وَاَلَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} الآيَةَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَكُلُّ زَوْجٍ جَازَ طَلاَقُهُ وَجَرَى عَلَيْهِ الْحُكْمُ مِنْ بَالِغٍ جَرَى عَلَيْهِ الظِّهَارُ حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا أَوْ ذِمِّيًّا وَفِي امْرَأَتِهِ دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ يَقْدِرُ عَلَى جِمَاعِهَا أَوْ لاَ يَقْدِرُ بِأَنْ تَكُونَ حَائِضًا أَوْ مُحَرَّمَةً أَوْ رَتْقَاءَ أَوْ صَغِيرَةً أَوْ فِي عِدَّةٍ يَمْلِكُ رَجْعَتَهَا فَذَلِكَ كُلُّهُ سَوَاءٌ. قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَعْنَى قَوْلِهِ فِي الَّتِي يَمْلِكُ رَجْعَتَهَا أَنَّ ذَلِكَ يَلْزَمُهُ إنْ رَاجَعَهَا؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ: لَوْ تَظَاهَرَ مِنْهَا ثُمَّ اتَّبَعَ التَّظْهِيرَ طَلاَقًا مَلَكَ فِيهِ الرَّجْعَةَ فَلاَ حُكْمَ لِلْإِيلاَءِ حَتَّى يَرْتَجِعَ فَإِذَا ارْتَجَعَ رَجَعَ حُكْمُ الْإِيلاَءِ، وَقَدْ جَمَعَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله بَيْنَهُمَا حَيْثُ يَلْزَمَانِ وَحَيْثُ يَسْقُطَانِ وَفِي هَذَا لِمَا وَصَفْت بَيَانٌ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى، وَلَوْ تَظَاهَرَ مِنْ امْرَأَتِهِ وَهِيَ أَمَةٌ ثُمَّ اشْتَرَاهَا فَسَدَ النِّكَاحُ وَالظِّهَارُ بِحَالِهِ لاَ يَقْرَبُهَا حَتَّى يُكَفِّرَ؛ لِأَنَّهَا لَزِمَتْهُ وَهِيَ زَوْجَةٌ. وَلاَ يَلْزَمُ الْمَغْلُوبَ عَلَى عَقْلِهِ إلَّا مِنْ سُكْرٍ وَقَالَ فِي الْقَدِيمِ فِي ظِهَارِ السَّكْرَانِ قَوْلاَنِ: أَحَدُهُمَا يَلْزَمُهُ. وَالْآخَرُ لاَ يَلْزَمُهُ. قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله تعالى يَلْزَمُهُ أَوْلَى وَأَشْبَهُ بِأَقَاوِيلِهِ وَلاَ يَلْزَمُهُ أَشْبَهُ بِالْحَقِّ عِنْدِي إذَا كَانَ لاَ يُمَيِّزُ. قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله وَعِلَّة جَوَازِ الطَّلاَقِ عِنْدَهُ إرَادَةُ الْمُطَلِّقِ وَلاَ طَلاَقَ عِنْدَهُ عَلَى مُكْرَهٍ لِارْتِفَاعِ إرَادَتِهِ وَالسَّكْرَانُ الَّذِي لاَ يَعْقِلُ مَعْنَى مَا يَقُولُ لاَ إرَادَةَ لَهُ كَالنَّائِمِ، فَإِنْ قِيلَ: لِأَنَّهُ أَدْخَلَ ذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ قِيلَ: أَوْ لَيْسَ وَإِنْ أَدْخَلَهُ عَلَى نَفْسِهِ فَهُوَ فِي مَعْنَى مَا أَدْخَلَهُ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ ذَهَابِ عَقْلِهِ وَارْتِفَاعِ إرَادَته، وَلَوْ افْتَرَقَ حُكْمُهُمَا فِي الْمَعْنَى الْوَاحِدِ لِاخْتِلاَفِ نِسْبَتِهِ مِنْ نَفْسِهِ وَمِنْ غَيْرِهِ لاَخْتَلَفَ حُكْمُ مَنْ جُنَّ بِسَبَبِ نَفْسِهِ وَحُكْمُ مَنْ جُنَّ بِسَبَبٍ غَيْرِهِ فَيَجُوزُ بِذَلِكَ طَلاَقُ بَعْضِ الْمَجَانِين فَإِنْ قِيلَ: فَفَرْضُ الصَّلاَةِ يَلْزَمُ السَّكْرَانَ وَلاَ يَلْزَمُ الْمَجْنُونَ قِيلَ: وَكَذَلِكَ فَرْضُ الصَّلاَةِ يَلْزَمُ النَّائِمَ وَلاَ يَلْزَمُ الْمَجْنُونَ فَهَلْ يُجِيزُ طَلاَقَ النَّوْمِ لِوُجُوبِ فَرْضِ الصَّلاَةِ عَلَيْهِمْ فَإِنْ قِيلَ: لاَ يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ لاَ يَعْقِلُ قِيلَ: وَكَذَلِكَ طَلاَقُ السَّكْرَانِ؛ لِأَنَّهُ لاَ يَعْقِلُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {لاَ تَقْرَبُوا الصَّلاَةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} فَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَلاَةٌ حَتَّى يَعْلَمَهَا وَيُرِيدَهَا وَكَذَلِكَ لاَ طَلاَقَ لَهُ وَلاَ ظِهَارَ حَتَّى يَعْلَمَهُ وَيُرِيدَهُ وَهُوَ قَوْلُ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَغَيْرِهِمْ، وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: إذَا ارْتَدَّ سَكْرَانُ لَمْ يُسْتَتَبْ فِي سُكْرِهِ وَلَمْ يُقْتَلْ فِيهِ. قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله وَفِي ذَلِكَ دَلِيلُ أَنْ لاَ حُكْمَ لِقَوْلِهِ لاَ أَتُوبُ؛ لِأَنَّهُ لاَ يَعْقِلُ مَا يَقُولُ فَكَذَلِكَ هُوَ فِي الطَّلاَقِ وَالظِّهَارِ لاَ يَعْقِلُ مَا يَقُولُ فَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْهِ فِي الْقَدِيمِ. قَالَ: وَلَوْ تَظَاهَرَ مِنْهَا ثُمَّ تَرَكَهَا أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَهُوَ مُتَظَاهِرٌ وَلاَ إيلاَءَ عَلَيْهِ يُوقِفُ لَهُ لاَ يَكُونُ الْمُتَظَاهِرُ بِهِ مُولِيًا وَلاَ الْمُولِي بِالْإِيلاَءِ مُتَظَاهِرًا وَهُوَ مُطِيعٌ لِلَّهِ تَعَالَى بِتَرْكِ الْجِمَاعِ فِي الظِّهَارِ عَاصٍ لَهُ لَوْ جَامَعَ قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَ وَعَاصٍ بِالْإِيلاَءِ، وَسَوَاءٌ كَانَ مُضَارًّا بِتَرْكِ الْكَفَّارَةِ أَوْ غَيْرَ مُضَارٍّ إلَّا أَنَّهُ يَأْثَمُ بِالضِّرَارِ كَمَا يَأْثَمُ لَوْ آلَى أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ يُرِيدُ ضِرَارًا وَلاَ يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِحُكْمِ الْإِيلاَءِ وَلاَ بِحَالِ حُكْمِ اللَّهِ عَمَّا أَنْزَلَ فِيهِ، وَلَوْ تَظَاهَرَ يُرِيدُ طَلاَقًا كَانَ طَلاَقًا أَوْ طَلَّقَ يُرِيدُ ظِهَارًا كَانَ طَلاَقًا وَهَذِهِ أُصُولٌ. وَلاَ ظِهَارَ مِنْ أَمَةٍ وَلاَ أُمِّ وَلَدٍ؛ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ {وَاَلَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} كَمَا قَالَ {يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} {وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} فَعَقَلْنَا عَنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ نِسَائِنَا وَإِنَّمَا نِسَاؤُنَا أَزْوَاجُنَا وَلَوْ لَزِمَهَا وَاحِدٌ مِنْ هَذِهِ الْأَحْكَامِ لَزِمَهَا كُلُّهَا.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله الظِّهَارُ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي فَإِنْ قَالَ: أَنْتِ مِنِّي أَوْ أَنْتِ مَعِي كَظَهْرِ أُمِّي وَمَا أَشْبَهَهُ فَهُوَ ظِهَارٌ، وَإِنْ قَالَ: فَرْجُك أَوْ رَأْسُك أَوْ ظَهْرُك أَوْ جِلْدُك أَوْ يَدُك أَوْ رِجْلُك عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي كَانَ هَذَا ظِهَارًا، وَلَوْ قَالَ: كَبَدَنِ أُمِّي أَوْ كَرَأْسِ أُمِّي أَوْ كَيَدِهَا كَانَ هَذَا ظِهَارًا؛ لِأَنَّ التَّلَذُّذَ بِكُلِّ أُمِّهِ مُحَرَّمٌ، وَلَوْ قَالَ: كَأُمِّي أَوْ مِثْلِ أُمِّي وَأَرَادَ الْكَرَامَةَ فَلاَ ظِهَارَ وَإِنْ أَرَادَ الظِّهَارَ فَهُوَ ظِهَارٌ، وَإِنْ قَالَ: لاَ نِيَّةَ لِي فَلَيْسَ بِظِهَارٍ، وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ امْرَأَةٍ مُحَرَّمَةٍ مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ قَامَتْ فِي ذَلِكَ مَقَامَ الْأُمِّ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ {يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ}. قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله تَعَالَى وَحِفْظِي وَغَيْرِي عَنْهُ لاَ يَكُونُ مُتَظَاهِرًا بِمَنْ كَانَتْ حَلاَلاً فِي حَالٍ ثُمَّ حَرُمَتْ بِسَبَبٍ كَمَا حَرُمَتْ نِسَاءُ الْآبَاءِ وَحَلاَئِلُ الْأَبْنَاءِ بِسَبَبٍ وَهُوَ لاَ يَجْعَلُ هَذَا ظِهَارًا وَلاَ فِي قَوْلِهِ كَظَهْرِ أَبِي. قَالَ وَيَلْزَمُ الْحِنْثُ بِالظِّهَارِ كَمَا يَلْزَمُ بِالطَّلاَقِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله وَلَوْ قَالَ: إذَا نَكَحْتُك فَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي فَنَكَحَهَا لَمْ يَكُنْ مُتَظَاهِرًا؛ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ إنَّمَا يَقَعُ مِنْ النِّسَاءِ عَلَى مَنْ حَلَّ لَهُ وَلاَ مَعْنَى لِلتَّحْرِيمِ فِي الْمُحَرَّمِ وَيُرْوَى مِثْلُ مَا قُلْت عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِمْ وَهُوَ الْقِيَاسُ وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ كَظَهْرِ أُمِّي يُرِيدُ الظِّهَارَ فَهِيَ طَالِقٌ؛ لِأَنَّهُ صَرَّحَ بِالطَّلاَقِ فَلاَ مَعْنَى لِقَوْلِهِ كَظَهْرِ أُمِّي إلَّا أَنَّك حَرَامٌ بِالطَّلاَقِ كَظَهْرِ أُمِّي، وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي يُرِيدُ الطَّلاَقَ فَهُوَ ظِهَارٌ، وَلَوْ قَالَ لِأُخْرَى: قَدْ أَشْرَكْتُك مَعَهَا أَوْ أَنْتِ شَرِيكَتُهَا أَوْ أَنْتِ كَهِيَ وَلَمْ يَنْوِ ظِهَارًا لَمْ يَلْزَمْهُ؛ لِأَنَّهَا تَكُونُ شَرِيكَتُهَا فِي أَنَّهَا زَوْجَةٌ لَهُ أَوْ عَاصِيَةٌ أَوْ مُطِيعَةٌ لَهُ كَهِيَ. قَالَ وَلَوْ ظَاهَرَ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ لَهُ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ فَقَالَ فِي كِتَابِ الظِّهَارِ الْجَدِيدِ وَفِي الْإِمْلاَءِ عَلَى مَسَائِلِ مَالِكٍ أَنَّ عَلَيْهِ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ كَفَّارَةً كَمَا يُطَلِّقُهُنَّ مَعًا بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ وَقَالَ فِي الْكِتَابِ الْقَدِيمِ: لَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّهَا يَمِينٌ ثُمَّ رَجَعَ إلَى الْكَفَّارَاتِ. قَالَ الْمُزَنِيّ وَهَذَا بِقَوْلِهِ أَوْلَى. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله وَلَوْ تَظَاهَرَ مِنْهَا مِرَارًا يُرِيدُ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ ظِهَارًا غَيْرَ الْآخَرِ قَبْلَ يُكَفِّرُ فَعَلَيْهِ بِكُلِّ تَظَاهُرٍ كَفَّارَةٌ كَمَا يَكُونُ عَلَيْهِ فِي كُلِّ تَطْلِيقَةٍ تَطْلِيقَةٌ، وَلَوْ قَالَهَا مُتَتَابِعًا فَقَالَ: أَرَدْت ظِهَارًا وَاحِدًا فَهُوَ وَاحِدٌ كَمَا لَوْ تَابَعَ بِالطَّلاَقِ كَانَ كَطَلْقَةٍ وَاحِدَةٍ، وَلَوْ قَالَ: إذَا تَظَاهَرْت مِنْ فُلاَنَةَ الْأَجْنَبِيَّةِ فَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي فَتَظَاهَرَ مِنْ الْأَجْنَبِيَّةِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ ظِهَارٌ كَمَا لَوْ طَلَّقَ أَجْنَبِيَّةً لَمْ يَكُنْ طَلاَقًا.
مِنْ كِتَابَيْ الظِّهَارِ قَدِيمٍ وَجَدِيدٍ وَمَا دَخَلَهُ مِنْ اخْتِلاَفِ أَبِي حَنِيفَةَ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى وَالشَّافِعِيِّ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} الآيَةَ. قَالَ: وَاَلَّذِي عَقَلْت مِمَّا سَمِعْت فِي {يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا} الآيَةَ. أَنَّهُ إذَا أَتَتْ عَلَى الْمُتَظَاهِرِ مُدَّةٌ بَعْدَ الْقَوْلِ بِالظِّهَارِ لَمْ يُحَرِّمْهَا بِالطَّلاَقِ الَّذِي تَحْرُمُ بِهِ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ كَأَنَّهُمْ يَذْهَبُونَ إلَى أَنَّهُ إذَا أَمْسَكَ مَا حَرَّمَ عَلَى نَفْسِهِ فَقَدْ عَادَ لِمَا قَالَ فَخَالَفَهُ فَأَحَلَّ مَا حَرَّمَ وَلاَ أَعْلَمُ مَعْنًى أَوْلَى بِهِ مِنْ هَذَا. قَالَ وَلَوْ أَمْكَنَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فَلَمْ يَفْعَلْ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ، وَكَذَلِكَ لَوْ مَاتَ أَوْ مَاتَتْ. وَمَعْنَى قَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} وَقْتٌ؛ لاََنْ يُؤَدِّيَ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ قَبْلَ الْمُمَاسَّةِ حَتَّى يُكَفِّرَ وَكَانَ هَذَا- وَاَللَّهُ أَعْلَمُ- عُقُوبَةً مُكَفِّرَةً لِقَوْلِ الزُّورِ فَإِذَا مَنَعَ الْجِمَاعَ أَحْبَبْت أَنْ يَمْنَعَ الْقُبَلَ وَالتَّلَذُّذَ احْتِيَاطًا حَتَّى يُكَفِّرَ فَإِنْ مَسَّ لَمْ تَبْطُلْ الْكَفَّارَةُ كَمَا يُقَالُ لَهُ: أَدِّ الصَّلاَةَ فِي وَقْتِ كَذَا وَقَبْلَ وَقْتِ كَذَا فَيَذْهَبُ الْوَقْتُ فَيُؤَدِّيهَا بَعْدَ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّهَا فَرْضٌ، وَلَوْ أَصَابَهَا وَقَدْ كَفَّرَ بِالصَّوْمِ فِي لَيْلِ الصَّوْمِ لَمْ يُنْتَقَضْ صَوْمُهُ وَمَضَى عَلَى الْكَفَّارَةِ، وَلَوْ كَانَ صَوْمُهُ يُنْتَقَضُ بِالْجِمَاعِ لَمْ تُجْزِئْهُ الْكَفَّارَةُ بَعْدَ الْجِمَاعِ. وَلَوْ تَظَاهَرَ وَأَتْبَعَ الظِّهَارَ طَلاَقًا تَحِلُّ فِيهِ قَبْلَ زَوْجٍ يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ أَوْ لاَ يَمْلِكُهَا ثُمَّ رَاجَعَهَا فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ، وَلَوْ طَلَّقَهَا سَاعَةَ نَكَحَهَا؛ لِأَنَّ مُرَاجَعَتَهُ إيَّاهَا بَعْدَ الطَّلاَقِ أَكْثَرُ مِنْ حَبْسِهَا بَعْدَ الظِّهَارِ. قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله هَذَا خِلاَفُ أَصْلِهِ كُلُّ نِكَاحٍ جَدِيدٍ لَمْ يُعْمَلْ فِيهِ طَلاَقٌ وَلاَ ظِهَارٌ إلَّا جَدِيدٌ وَقَدْ قَالَ فِي هَذَا الْكِتَابِ لَوْ تَظَاهَرَ مِنْهَا ثُمَّ أَتْبَعَهَا طَلاَقًا لاَ يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ ثُمَّ نَكَحَهَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ؛ لِأَنَّ هَذَا مِلْكٌ غَيْرُ الْأَوَّلِ الَّذِي كَانَ فِيهِ الظِّهَارُ، وَلَوْ جَازَ أَنْ يُظَاهِرَ مِنْهَا فَيَعُودُ عَلَيْهِ الظِّهَارُ إذَا نَكَحَهَا جَازَ ذَلِكَ بَعْدَ ثَلاَثٍ وَزَوْجٍ غَيْرِهِ وَهَكَذَا الْإِيلاَءُ. قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله هَذَا أَشْبَهُ بِأَصْلِهِ وَأَوْلَى بِقَوْلِهِ وَالْقِيَاسُ أَنَّ كُلَّ حُكْمٍ كَانَ فِي مِلْكٍ فَإِذَا زَالَ ذَلِكَ زَالَ مَا فِيهِ مِنْ الْحُكْمِ فَلَمَّا زَالَ ذَلِكَ النِّكَاحُ زَالَ مَا فِيهِ مِنْ الظِّهَارِ وَالْإِيلاَءِ. قَالَ: وَلَوْ تَظَاهَرَ مِنْهَا ثُمَّ لاَعَنَهَا مَكَانَهُ بِلاَ فَصْلٍ سَقَطَ الظِّهَارُ، وَلَوْ كَانَ حَبَسَهَا قَدْرَ مَا يُمْكِنُهُ اللِّعَانُ فَلَمْ يُلاَعِنْ كَانَتْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ. وَقَالَ فِي كِتَابِ اخْتِلاَفِ أَبِي حَنِيفَةَ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى لَوْ تَظَاهَرَ مِنْهَا يَوْمًا فَلَمْ يُصِبْهَا حَتَّى انْقَضَى لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ كَمَا لَوْ آلَى فَسَقَطَتْ الْيَمِينُ سَقَطَ عَنْهُ حُكْمُ الْيَمِينِ. قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله أَصْلُ قَوْلِهِ: إنَّ الْمُتَظَاهِرَ إذَا حَبَسَ امْرَأَتَهُ مُدَّةً يُمْكِنُهُ الطَّلاَقُ فَلَمْ يُطَلِّقْهَا فِيهَا فَقَدْ عَادَ وَوَجَبَتْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَقَدْ حَبَسَهَا هَذَا بَعْدَ التَّظَاهُرِ يَوْمًا يُمْكِنُهُ الطَّلاَقُ فِيهِ فَتَرَكَهُ فَعَادَ إلَى اسْتِحْلاَلِ مَا حَرَّمَ فَالْكَفَّارَةُ لاَزِمَةٌ لَهُ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ، وَكَذَا قَالَ لَوْ مَاتَ أَوْ مَاتَتْ بَعْدَ الظِّهَارِ وَأَمْكَنَ الطَّلاَقُ فَلَمْ يُطَلِّقْ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله وَلَوْ تَظَاهَرَ وَآلَى قِيلَ: إنْ وَطِئْت قَبْلَ الْكَفَّارَةِ خَرَجْت مِنْ الْإِيلاَءِ وَأَثِمْت، وَإِنْ انْقَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَقَفْت فَإِنْ قُلْت: أَنَا أُعْتِقُ أَوْ أُطْعِمُ لَمْ نُمْهِلْك أَكْثَرَ مِمَّا يُمْكِنُك الْيَوْمَ وَمَا أَشْبَهَهُ وَإِنْ قُلْت: أَصُومُ، قِيلَ: إنَّمَا أُمِرْت بَعْدَ الْأَرْبَعَةِ بِأَنْ تَفِيءَ أَوْ تُطَلِّقَ فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ لَك سَنَةٌ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الظِّهَارِ {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ}. قَالَ فَإِذَا كَانَ وَاجِدًا لَهَا أَوْ لِثَمَنِهَا لَمْ يُجْزِئْ غَيْرُهَا وَشَرَطَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي رَقَبَةِ الْقَتْلِ مُؤْمِنَةً كَمَا شَرَطَ الْعَدْلَ فِي الشَّهَادَةِ وَأَطْلَقَ الشُّهُودَ فِي مَوَاضِعَ فَاسْتَدْلَلْنَا عَلَى أَنَّ مَا أَطْلَقَ عَلَى مَعْنَى مَا شَرَطَ وَإِنَّمَا رَدَّ اللَّهُ تَعَالَى أَمْوَالَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ لاَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ وَفَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى الصَّدَقَاتِ فَلَمْ تَجُزْ إلَّا لِلْمُؤْمِنِينَ فَكَذَلِكَ مَا فَرَضَ اللَّهُ مِنْ الرِّقَابِ فَلاَ يَجُوزُ إلَّا مِنْ الْمُؤْمِنِينَ، وَإِنْ كَانَتْ أَعْجَمِيَّةً وَصَفَتْ الْإِسْلاَمَ فَإِنْ أَعْتَقَ صَبِيَّةً أَحَدُ أَبَوَيْهَا مُؤْمِنٌ أَوْ خَرْسَاءَ جَبَلِيَّةً تَعْقِلُ الْإِشَارَةَ بِالْإِيمَانِ أَجْزَأَتْهُ وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ لاَ يُعْتِقَهَا إلَّا أَنْ تَتَكَلَّمَ بِالْإِيمَانِ، وَلَوْ سُبِيَتْ صَبِيَّةٌ مَعَ أَبَوَيْهَا كَافِرَيْنِ فَعَقَلَتْ وَوَصَفْت الْإِسْلاَمَ وَصَلَّتْ إلَّا أَنَّهَا لَمْ تَبْلُغْ لَمْ تُجْزِئْهُ حَتَّى تَصِفَ الْإِسْلاَمَ بَعْدَ الْبُلُوغِ. قَالَ وَوَصْفُهَا الْإِسْلاَمَ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لاَ إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَتَبْرَأَ مِنْ كُلِّ دِينٍ خَالَفَ الْإِسْلاَمَ وَأُحِبُّ لَوْ امْتَحَنَهَا بِالْإِقْرَارِ بِالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَمَا أَشْبَهَهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله لاَ يُجْزِئُ فِي رَقَبَةٍ وَاجِبَةٍ رَقَبَةٌ تُشْتَرَى بِشَرْطِ أَنْ تُعْتَقَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَضَعُ مِنْ ثَمَنِهَا وَلاَ يُجْزِئُ فِيهَا مُكَاتَبٌ أَدَّى مِنْ نُجُومِهِ شَيْئًا أَوْ لَمْ يُؤَدِّهِ؛ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ بَيْعِهِ وَلاَ يُجْزِئُ أُمُّ وَلَدٍ فِي قَوْلِ مَنْ لاَ يَبِيعُهَا. قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله تعالى هُوَ لاَ يُجِيزُ بَيْعَهَا وَلَهُ بِذَلِكَ كِتَابٌ. قَالَ: وَإِنْ أَعْتَقَ عَبْدًا لَهُ غَائِبًا فَهُوَ عَلَى غَيْرِ يَقِينٍ أَنَّهُ أَعْتَقَ وَلَوْ اشْتَرَى مَنْ يُعْتِقُ عَلَيْهِ لَمْ يُجْزِئْهُ؛ لِأَنَّهُ عَتَقَ بِمِلْكِهِ، وَلَوْ أَعْتَقَ عَبْدًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ آخَرَ عَنْ ظِهَارِهِ وَهُوَ مُوسِرٌ أَجْزَأَ عَنْهُ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِشَرِيكِهِ أَنْ يُعْتِقَ وَلاَ يَرُدَّ عِتْقَهُ، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا عَتَقَ نِصْفَهُ فَإِنْ أَفَادَ وَاشْتَرَى النِّصْفَ الثَّانِيَ وَأَعْتَقَهُ أَجْزَأَهُ، وَلَوْ أَعْتَقَهُ عَلَى أَنْ جَعَلَ لَهُ رَجُلٌ عَشْرَةَ دَنَانِيرَ لَمْ يُجْزِئْهُ، وَلَوْ أَعْتَقَ عَنْهُ رَجُلٌ عَبْدًا بِغَيْرِ أَمْرِهِ لَمْ يُجْزِئْهُ وَالْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَهُ وَلَوْ أَعْتَقَهُ بِأَمْرِهِ بِجُعْلٍ أَوْ غَيْرِهِ أَجْزَأَهُ وَالْوَلاَءُ لَهُ وَهَذَا مِثْلُ شِرَاءِ مَقْبُوضٍ أَوْ هِبَةٍ مَقْبُوضَةٍ. قَالَ الْمُزَنِيّ مَعْنَاهُ عِنْدِي أَنْ يُعْتِقَهُ عَنْهُ بِجُعْلٍ، وَلَوْ أَعْتَقَ عَبْدَيْنِ عَنْ ظِهَارَيْنِ أَوْ ظِهَارٍ وَقَتَلَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ الْكَفَّارَتَيْنِ أَجْزَآهُ؛ لِأَنَّهُ أَعْتَقَ عَنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ عَبْدًا تَامًّا نِصْفًا عَنْ وَاحِدَةٍ وَنِصْفًا عَنْ وَاحِدَةٍ ثُمَّ أُخْرَى نِصْفًا عَنْ وَاحِدَةٍ وَنِصْفًا عَنْ وَاحِدَةٍ فَكَمَّلَ فِيهَا الْعِتْقَ، وَلَوْ كَانَ مِمَّنْ عَلَيْهِ الصَّوْمُ فَصَامَ شَهْرَيْنِ عَنْ إحْدَاهُمَا كَانَ لَهُ أَنْ يَجْعَلَهُ عَنْ أَيِّهِمَا شَاءَ وَكَذَلِكَ لَوْ صَامَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ عَنْهُمَا أَجْزَأَهُ، وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ ثَلاَثُ كَفَّارَاتٍ فَأَعْتَقَ رَقَبَةً لَيْسَ لَهُ غَيْرُهَا وَصَامَ شَهْرَيْنِ ثُمَّ مَرِضَ فَأَطْعَمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا يَنْوِي بِجَمِيعِ هَذِهِ الْكَفَّارَاتِ الظِّهَارَ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ وَاحِدَةً بِعَيْنِهَا أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّ نِيَّتَهُ فِي كُلِّ كَفَّارَةٍ بِأَنَّهَا لَزِمَتْهُ، وَلَوْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ فَشَكَّ أَنْ تَكُونَ مِنْ ظِهَارٍ أَوْ قَتْلٍ أَوْ نَذْرٍ فَأَعْتَقَ رَقَبَةً عَنْ أَيُّهَا كَانَ أَجْزَأَهُ، وَلَوْ أَعْتَقَهَا لاَ يَنْوِي وَاحِدَةً مِنْهَا لَمْ يُجْزِئْهُ، وَلَوْ ارْتَدَّ قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَ فَأَعْتَقَ عَبْدًا عَنْ ظِهَارِهِ فَإِنْ رَجَعَ أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى دَيْنٍ أَدَّاهُ أَوْ قِصَاصٍ أُخِذَ مِنْهُ أَوْ عُقُوبَةٍ عَلَى بَدَنِهِ لِمَنْ وَجَبَتْ لَهُ، وَلَوْ صَامَ فِي رِدَّتِهِ لَمْ يُجْزِئْهُ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ عَمَلُ الْبَدَنِ وَعَمَلُ الْبَدَنِ لاَ يُجْزِئُ إلَّا مَنْ يَكْتُبُ لَهُ.
مِنْ كِتَابَيْ الظِّهَارِ قَدِيمٍ وَجَدِيدٍ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله لَمْ أَعْلَمْ أَحَدًا مِمَّنْ مَضَى مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَلاَ ذُكِرَ لِي عَنْهُ وَلاَ يَبْقَى مُخَالِفٌ فِي أَنَّ مِنْ ذَوَاتِ النَّقْصِ مِنْ الرِّقَابِ مَا لاَ يُجْزِئُ وَمِنْهَا مَا يُجْزِئُ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بَعْضُهَا دُونَ بَعْضٍ فَلَمْ أَجِدْ فِي مَعَانِي مَا ذَهَبُوا إلَيْهِ إلَّا مَا أَقُولُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَجِمَاعُهُ أَنَّ الْأَغْلَبَ فِيمَا يُتَّخَذُ لَهُ الرَّقِيقُ الْعَمَلُ وَلاَ يَكُونُ الْعَمَلُ تَامًّا حَتَّى تَكُونَ يَدُ الْمَمْلُوكِ بَاطِشَتَيْنِ وَرِجْلاَهُ مَاشِيَتَيْنِ وَلَهُ بَصَرٌ، وَإِنْ كَانَ عَيْنًا وَاحِدَةً وَيَكُونُ يَعْقِلُ، وَإِنْ كَانَ أَبْكَمَ أَوْ أَصَمَّ يَعْقِلُ أَوْ أَحْمَقَ أَوْ ضَعِيفَ الْبَطْشِ. قَالَ فِي الْقَدِيمِ الْأَخْرَسُ لاَ يُجْزِئُ. قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله أَوْلَى بِقَوْلِهِ أَنَّهُ يُجْزِئُ؛ لِأَنَّ أَصْلَهُ أَنَّ مَا أَضَرَّ بِالْعَمَلِ ضَرَرًا بَيِّنًا لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ لَمْ يَضُرَّ كَذَلِكَ أَجْزَأَ. قَالَ وَاَلَّذِي يُجَنُّ وَيُفِيقُ يُجْزِئُ، وَإِنْ كَانَ مُطْبَقًا لَمْ يُجْزِئْ وَيَجُوزُ الْمَرِيضُ لِأَنَّهُ يُرْجَى وَالصَّغِيرُ كَذَلِكَ.
مِنْ كِتَابَيْنِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله مَنْ كَانَ لَهُ مَسْكَنٌ وَخَادِمٌ لاَ يَمْلِكُ غَيْرَهُمَا وَلاَ مَا يَشْتَرِي بِهِ مَمْلُوكًا كَانَ لَهُ أَنْ يَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، وَإِنْ أَفْطَرَ مِنْ عُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ صَامَ تَطَوُّعًا أَوْ مِنْ الْأَيَّامِ الَّتِي نُهِيَ صلى الله عليه وسلم عَنْ صِيَامِهَا اسْتَأْنَفَهُمَا مُتَتَابِعَيْنِ، وَقَالَ فِي كِتَابِ الْقَدِيمِ: إنْ أَفْطَرَ الْمَرِيضُ بَنَى وَاحْتَجَّ فِي الْقَاتِلَةِ الَّتِي عَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ إذَا حَاضَتْ أَفْطَرَتْ فَإِذَا ذَهَبَ الْحَيْضُ بَنَتْ وَكَذَلِكَ الْمَرِيضُ إذَا ذَهَبَ الْمَرَضُ بَنَى. قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله وَسَمِعْت الشَّافِعِيَّ مُنْذُ دَهْرٍ يَقُولُ: إنْ أَفْطَرَ بَنَى. قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله: وَإِنَّ هَذَا لَشَبِيهٌ؛ لِأَنَّ الْمَرَضَ عُذْرٌ وَضَرُورَةٌ وَالْحَيْضُ عُذْرٌ وَضَرُورَةٌ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ يُفْطِرُ بِهِمَا فِي شَهْرِ رَمَضَانَ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. قَالَ وَإِذَا صَامَ بِالْأَهِلَّةِ صَامَ هِلاَلَيْنِ، وَإِنْ كَانَ تِسْعَةً أَوْ ثَمَانِيَةً وَخَمْسِينَ وَلاَ يُجْزِئُهُ حَتَّى يُقَدِّمَ نِيَّةَ الصَّوْمِ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَلَوْ نَوَى صَوْمَ يَوْمٍ فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ فِيهِ ثُمَّ أَفَاقَ قَبْلَ اللَّيْلِ أَوْ بَعْدَهُ وَلَمْ يُطْعِمْ أَجْزَأَهُ إذَا دَخَلَ فِيهِ قَبْلَ الْفَجْرِ وَهُوَ يَعْقِلُ فَإِنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ قَبْلَ الْفَجْرِ لَمْ يُجْزِئْهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي الصَّوْمِ وَهُوَ يَعْقِلُ. قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله: كُلُّ مَنْ أَصْبَحَ نَائِمًا فِي شَهْرِ رَمَضَانَ صَامَ، وَإِنْ لَمْ يَعْقِلْهُ إذَا تَقَدَّمَتْ نِيَّتُهُ. قَالَ: وَلَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ فِيهِ وَفِي يَوْمٍ بَعْدَهُ وَلَمْ يُطْعِمْ اسْتَأْنَفَ الصَّوْمَ؛ لِأَنَّ فِي الْيَوْمِ الَّذِي أُغْمِيَ عَلَيْهِ فِيهِ كُلِّهِ غَيْرُ صَائِمٍ وَلاَ يُجْزِئْهُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ كُلَّ يَوْمٍ مِنْهُ عَلَى حِدَتِهِ قَبْلَ الْفَجْرِ؛ لِأَنَّ كُلَّ يَوْمٍ مِنْهُ غَيْرُ صَاحِبِهِ، وَلَوْ صَامَ شَهْرَ رَمَضَانَ فِي الشَّهْرَيْنِ أَعَادَ شَهْرَ رَمَضَانَ وَاسْتَأْنَفَ شَهْرَيْنِ. قَالَ وَأَقَلُّ مَا يَلْزَمُ مَنْ قَالَ: إنَّ الْجِمَاعَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ الصَّوْمِ يُفْسِدُ الصَّوْمَ لقوله تعالى {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} أَنْ يَزْعُمَ أَنَّ الْكَفَّارَةَ بِالصَّوْمِ وَالْعِتْقِ لاَ يُجْزِئَانِ بَعْدَ أَنْ يَتَمَاسَّا. قَالَ وَاَلَّذِي صَامَ شَهْرًا قَبْلَ الْتِمَاسٍ وَشَهْرًا بَعْدَهُ أَطَاعَ اللَّهَ فِي شَهْرٍ وَعَصَاهُ بِالْجِمَاعِ قَبْلَ شَهْرٍ يَصُومُهُ، وَأَنَّ مَنْ جَامَعَ قَبْلَ الشَّهْرِ الْآخَرِ مِنْهُمَا أَوْلَى أَنْ يَجُوزَ مِنْ الَّذِي عَصَى اللَّهَ بِالْجِمَاعِ قَبْلَ الشَّهْرَيْنِ مَعًا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَإِنَّمَا حُكْمُهُ فِي الْكَفَّارَاتِ حِينَ يُكَفِّرُ كَمَا حُكْمُهُ فِي الصَّلاَةِ حِينَ يُصَلِّي. قَالَ: وَلَوْ دَخَلَ فِي الصَّوْمِ ثُمَّ أَيْسَرَ كَانَ لَهُ أَنْ يَمْضِيَ عَلَى الصِّيَامِ وَالِاخْتِيَارُ لَهُ أَنْ يَدَعَ الصَّوْمَ وَيُعْتِقَ. قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله: وَلَوْ كَانَ الصَّوْمُ فَرْضَهُ مَا جَازَ اخْتِيَارُ إبْطَالِ الْفَرْضِ وَالرَّقَبَةُ فَرْضٌ، وَإِنْ وَجَدَهَا لاَ غَيْرَهَا كَمَا إنَّ الْوُضُوءَ بِالْمَاءِ فَرْضٌ إذَا وَجَدَهُ لاَ غَيْرَهُ وَلاَ خِيَارَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ فَلاَ يَخْلُو الدَّاخِلُ فِي الصَّوْمِ إذَا وَجَدَ الرَّقَبَةَ مِنْ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَاهُ الْمُتَقَدِّمِ فَلاَ فَرْضَ عَلَيْهِ إلَّا الصَّوْمَ فَكَيْفَ يُجْزِئُهُ الْعِتْقُ وَهُوَ غَيْرُ فَرْضِهِ أَوْ يَكُونَ صَوْمُهُ قَدْ بَطَلَ لِوُجُودِ الرَّقَبَةِ فَلاَ فَرْضَ إلَّا الْعِتْقَ فَكَيْفَ يُتِمُّ الصَّوْمَ فَيُجْزِئُهُ وَهُوَ غَيْرُ فَرْضِهِ فَلَمَّا لَمْ يَخْتَلِفُوا أَنَّهُ إذَا أَعْتَقَ أَدَّى فَرْضَهُ ثَبَتَ أَنْ لاَ فَرْضَ عَلَيْهِ غَيْرَهُ وَفِي ذَلِكَ إبْطَالُ صَوْمِهِ كَمُعْتَدَّةٍ بِالشُّهُورِ فَإِذَا حَدَثَ الْحَيْضُ بَطَلَتْ الشُّهُورُ وَثَبَتَ حُكْمُ الْحَيْضِ عَلَيْهَا وَلَمَّا كَانَ وُجُودُ الرَّقَبَةِ يُبْطِلُ صَوْمَ الشَّهْرَيْنِ كَانَ وُجُودُهَا بَعْدَ الدُّخُولِ فِي الشُّهُورِ يُبْطِلُ مَا بَقِيَ مِنْ الشُّهُورِ، وَفِي ذَلِكَ دَلِيلُ أَنَّهُ إذَا وَجَدَ الرَّقَبَةَ بَعْدَ الدُّخُولِ بَطَلَ مَا بَقِيَ مِنْ الشَّهْرَيْنِ. وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله بِهَذَا الْمَعْنَى زَعَمَ فِي الْأَمَةِ تُعْتَقُ وَقَدْ دَخَلَتْ فِي الْعِدَّةِ أَنَّهَا لاَ تَكُونُ فِي عِدَّتِهَا حُرَّةً وَتَعْتَدُّ عِدَّةَ أَمَةٍ، وَفِي الْمُسَافِرِ يَدْخُلُ فِي الصَّلاَةِ ثُمَّ يُقِيمُ لاَ يَكُونُ فِي بَعْضِ صَلاَتِهِ مُقِيمًا وَيَقْصُرُ ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا أَشْبَهُ بِالْقِيَاسِ. قَالَ الْمُزَنِيّ فَهَذَا مَعْنَى مَا قُلْت وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ: أَنْتَ حُرٌّ السَّاعَةَ عَنْ ظِهَارِي إنْ تظهرته كَانَ حُرًّا لِسَاعَتِهِ وَلَمْ يُجْزِئُهُ إنْ يتظهر؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ ظِهَارٌ وَلَمْ يَكُنْ سَبَبٌ مِنْهُ
مِنْ كِتَابَيْ ظِهَارٍ قَدِيمٍ وَجَدِيدٍ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: فِيمَنْ تَظَهَّرَ وَلَمْ يَجِدْ رَقَبَةً وَلَمْ يَسْتَطِعْ حِينَ يُرِيدُ الْكَفَّارَةَ صَوْمَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ بِمَرَضٍ أَوْ عِلَّةٍ مَا كَانَتْ أَجْزَأَهُ أَنْ يُطْعِمَ وَلاَ يُجْزِئُهُ أَقَلُّ مِنْ سِتِّينَ مِسْكِينًا كُلُّ مِسْكِينٍ مُدًّا مِنْ طَعَامِ بَلَدِهِ الَّذِي يُقْتَاتُ حِنْطَةً أَوْ شَعِيرًا أَوْ أُرْزًا أَوْ سَلْتًا أَوْ تَمْرًا أَوْ زَبِيبًا أَوْ أَقِطًا وَلاَ يُجْزِئُهُ أَنْ يُعْطِيَهُمْ جُمْلَةً سِتِّينَ مُدًّا أَوْ أَكْثَرَ؛ لِأَنَّ أَخْذَهُمْ الطَّعَامَ يَخْتَلِفُ فَلاَ أَدْرِي لَعَلَّ أَحَدَهُمْ يَأْخُذُ أَقَلَّ وَغَيْرُهُ أَكْثَرَ مَعَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم إنَّمَا سَنَّ مَكِيلَةَ طَعَامٍ فِي كُلِّ مَا أُمِرَ بِهِ مِنْ كَفَّارَةٍ وَلاَ يُجْزِئُهُ أَنْ يُعْطِيَهُمْ دَقِيقًا وَلاَ سَوِيقًا وَلاَ خُبْزًا حَتَّى يُعْطِيَهُمُوهُ حَبًّا وَسَوَاءً مِنْهُمْ الصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ، وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَهُ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ وَلاَ عَبْدًا وَلاَ مُكَاتَبًا وَلاَ أَحَدًا عَلَى غَيْرِ دِينِ الْإِسْلاَمِ وَقَالَ فِي الْقَدِيمِ لَوْ عَلِمَ بَعْدَ إعْطَائِهِ أَنَّهُ غَنِيٌّ أَجْزَأَهُ ثُمَّ رَجَعَ إلَى أَنَّهُ لاَ يُجْزِئُهُ. قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله وَهَذَا أَقْيَسُ لِأَنَّهُ أَعْطَى مَنْ لَمْ يَفْرِضْهُ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ بَلْ حَرَّمَهُ عَلَيْهِ وَالْخَطَأُ عِنْدَهُ فِي الْأَمْوَالِ فِي حُكْمِ الْعَمْدِ إلَّا فِي الْمَأْثَمِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَيُكَفِّرُ بِالطَّعَامِ قَبْلَ الْمَسِيسِ؛ لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى الْكَفَّارَةِ قَبْلَهَا، وَلَوْ أَعْطَى مِسْكِينًا مُدَّيْنِ مُدًّا عَنْ ظِهَارِهِ وَمُدًّا عَنْ الْيَمِينِ أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّهُمَا كَفَّارَتَانِ مُخْتَلِفَتَانِ وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُكَفِّرَ إلَّا كَفَّارَةً كَامِلَةً مِنْ أَيِّ الْكَفَّارَاتِ كَفَّرَ، وَكُلُّ الْكَفَّارَاتِ بِمُدِّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لاَ تَخْتَلِفُ، وَفِي فَرْضِ اللَّهِ عَلَى لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ بِمُدِّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَكَيْفَ يَكُونُ بِمُدِّ مَنْ لَمْ يُولَدْ فِي عَهْدِهِ أَوْ مُدًّا أُحْدِثَ بَعْدَهُ وَإِنَّمَا قُلْت: مُدًّا لِكُلِّ مِسْكِينٍ لِحَدِيثِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الْمُكَفِّرِ فِي رَمَضَانَ فَإِنَّهُ {أَتَى صلى الله عليه وسلم بِعِرْقٍ فِيهِ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا فَقَالَ لِمُكَفِّرٍ: كَفِّرْ بِهِ} وَقَدْ أَعْلَمَهُ أَنَّ عَلَيْهِ إطْعَامَ سِتِّينَ مِسْكِينًا فَهَذَا مَدْخَلُهُ وَكَانَتْ الْكَفَّارَةُ بِالْكَفَّارَةِ أَشْبَهَ فِي الْقِيَاسِ مِنْ أَنْ نَقِيسَهَا عَلَى فِدْيَةٍ فِي الْحَجِّ، وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ الْمُدُّ رَطْلاَنِ بِالْحِجَازِيِّ وَقَدْ احْتَجَجْنَا فِيهِ مَعَ أَنَّ الْآثَارَ عَلَى مَا قُلْنَا فِيهِ وَأَمْرِ النَّاسِ بِدَارِ الْهِجْرَةِ وَمَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَكُونَ أَعْلَمَ بِهَذَا مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ. وَقَالُوا أَيْضًا: لَوْ أَعْطَى مِسْكِينًا وَاحِدًا طَعَامَ سِتِّينَ مِسْكِينًا فِي سِتِّينَ يَوْمًا أَجْزَأَهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله: لَئِنْ أَجْزَأَهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَهُوَ وَاحِدٌ لَيُجْزِئهُ فِي مَقَامٍ وَاحِدٍ، فَقِيلَ لَهُ: أَرَأَيْت لَوْ قَالَ قَائِلٌ قَالَ اللَّهُ {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} شَرْطَانِ عَدَدٌ وَشَهَادَةٌ فَأَنَا أُجِيزُ الشَّهَادَةَ دُونَ الْعَدَدِ، فَإِنْ شَهِدَ الْيَوْمَ شَاهِدٌ ثُمَّ عَادَ لِشَهَادَتِهِ فَهِيَ شَهَادَتَانِ فَإِنْ قَالَ: لاَ حَتَّى يَكُونَا شَاهِدَيْنِ فَكَذَلِكَ لاَ حَتَّى يَكُونُوا سِتِّينَ مِسْكِينًا، وَقَالَ أَيْضًا: لَوْ أَطْعَمَهُ أَهْلَ الذِّمَّةِ أَجْزَأَهُ فَإِنْ أَجْزَأَهُ فِي غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ وَقَدْ أَوْصَى اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِالْأَسِيرِ فَلِمَ لاَ يُجْزِئُ أَسِيرَ الْمُسْلِمِينَ الْحَرْبِيُّ وَالْمُسْتَأْمَنُونَ إلَيْهِمْ، وَقَالَ: لَوْ غَدَّاهُمْ أَوْ عَشَّاهُمْ، وَإِنْ تَفَاوَتَ أَكْلُهُمْ فَأَشْبَعَهُمْ أَجْزَأَ، وَإِنْ أَعْطَاهُمْ قِيمَةَ الطَّعَامِ عَرَضًا أَجْزَأَ فَإِنَّهُ أَتْرَكَ مَا نَصَتَ السُّنَّةُ مِنْ الْمَكِيلَةِ فَأَطْعَمَ سِتِّينَ صَبِيًّا أَوْ رِجَالاً مَرْضَى أَوْ مَنْ لاَ يُشْبِعُهُمْ إلَّا إضْعَافُ الْكَفَّارَةِ فَمَا يَقُولُ إذَا أَعْطَى عَرَضًا مَكَانَ الْمَكِيلَةِ لَوْ كَانَ مُوسِرًا يُعْتِقُ رَقَبَةً فَتَصَدَّقَ بِقِيمَتِهَا فَإِنْ أَجَازَ هَذَا فَقَدْ أَجَازَ الْإِطْعَامَ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الرَّقَبَةِ، وَإِنْ زَعَمَ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ إلَّا رَقَبَةً فَلِمَ جَوَّزَ الْعَرَضَ وَإِنَّمَا السُّنَّةُ مَكِيلَةُ طَعَامٍ مَعْرُوفَةٌ وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ فِي قِيَاسِ قَوْلِهِ هَذَا أَنْ يُحِيلَ الصَّوْمَ وَهُوَ مُطِيقٌ لَهُ إلَى الضِّدِّ.
|